كتب: أيمن قحف
في أدبيات الرقابة وبعض النصوص القانونية هناك مصطلح (غامض ومريب) اسمه "فوات المنفعة"..
لطالما تم استخدام هذا المصطلح - بحق أو دون حق - في التعامل مع الجهات العامة وخاصة في مجال العقود..
من حيث المبدأ، هو نص ضروري لكي يعرف أصحاب القرار أن القانون يحاسب ليس على الفعل فقط، وإنما على عدم الفعل وعدم اتخاذ القرار مما يفوت منفعة على الدولة ..
لكن هذه الحيثية نادراً ما تم استخدامها، ولم نسمع بأحد تمت محاسبته لأنه «نيم» القرار أو عطل التعاقدات، فالحساب فقط لمن (يعمل ويخطئ) أما من لا يعمل فهو محصن!!
نعود لمصطلح فوات المنفعة، فهو يستخدم عادة في العقود الكبيرة وعندما لا ينفذ اي طرف العقد فإنه يفوت المنفعة على الطرف الآخر..
أي إذا كنت تبني معصرة زيتون وبدل أن تسلمها في تموز سلمتها في كانون الأول ،فهنا التأخير ليس فقط إخلال بالعقد بل فوت على صاحبها موسم عصر الزيتون والمكاسب التي كان يمكن أن يحققها ..
إذا كان بإمكانك ملء الكراسي في المطعم ولم تفعل فهذا فوات منفعة على المالك، وإذا تركت عقارات فارغة وكان بإمكانك استثمارها بيعاً أو تأجيراً فهذا فوات منفعة ..
والأمثلة كثيرة ، والقصص كثيرة ، ولكن معظمها كانت من باب الانتقام والنكايات بين أطراف متضاربة المصالح وليس لتطبيق القانون والمصلحة العامة..
طبعاً اشتهر هذا المصطلح في قضية شركة كبرى تبين وجود فوات منفعة بقيمة 134 مليار ليرة سورية فقط وتم استعادة حقوق الدولة ..
الآن تقع بعض المحافظات تحت مشكلة (فوات منفعة) بسبب تأخرها عن تنفيذ قرار حكومي يتعلق بكميات المحروقات التي يجب بيعها بالسعر الحر ، وهذا التأخير سبب "فوات منفعة" بالمليارات على خزينة الدولة ..!!
سأتوقف عن التنظير والأمثلة وسأطرح رؤيتي لمصطلح فوات المنفعة ومن يجب أن يحاسب..
نحن بلد يعاني من الحرب والحصار والعقوبات، لدينا موارد علينا أن نديرها بطريقة حكيمة وذكية وهذه مسؤولية الحكومة على أن يتعاون الشعب معها، فلا يمكن حل مشكلة مصادر الطاقة إلا عبر مسارين : زيادة الانتاج والاستيراد، وهذا محكوم بظروف قد تكون خارجة أحياناً عن سلطة الحكومة، وتخفيف الهدر والاستهلاك، وهذه مسؤولية المواطن، إن تخفيف الهدر والاستهلاك وجه لتأمين مصادر طاقة أكثر عدالة ..
سأقول لكم الآن أين فوات المنفعة..
هناك إدارة بائسة لملف الكهرباء، والجهة البحثية التي يمكن أن تساهم في الحلول لو تم تأمين الموارد لها وهي مركز بحوث الطاقة تم تقزيمه في الاصلاح الاداري ليصبح مديرية بدل من توسيعه ليصبح هيئة بحثية ضرورية ..
الحلول موجودة بالطاقات البديلة من الشمس والرياح لكن الخطوات والاجراءات مرتبكة وبطيئة وكأنها تخدم أصحاب المولدات والأمبيرات والبطاريات التي تستنزف نسبة كبيرة من الناتج المحلي والدخل الوطني بحلول ذات كفاءة منخفضة ..
هذا فوات منفعة يجب أن يحاسب عليها كل من يعيق مسيرتها
خلال الفترة الماضية تجولت في محافظات حمص وحماه واللاذقية وطرطوس وريف دمشق ، هناك مساحات هائلة معظمها في مناطق الاستقرار المطري غير مستثمرة أو بالحدود الدنيا!
ما بين حمص وسلمية ، حمص وريفها الغربي ، بعض مناطق الغاب ، بعض مناطق الساحل وريف دمشق مساحات هائلة غير مستثمرة كان يمكن زرعها بالقمح أو الشعير أو الأشجار المثمرة سواء من املاك الدولة أو الأملاك الخاصة ..
هذا فوات منفعة يجب أن تسأل عنه وزارة الزراعة ومديرياتها والسلطات المحلية ، وحتى الفلاحين وجمعياتهم واتحادهم وغرف الزراعة..
حديقة منزلية تكفي لاطعام عائلة فكيف بهكتار من الأرض؟!!
قطعة أرض صغيرة تكفي لتربية بقرة أو بضعة أغنام ودجاجات تكفي بضعة اسر..
كل مكان متاح للإنتاج ولا يستثمر اليوم هو فوات منفعة و ضرر بالاقتصاد الوطني وافقار للناس..
كتب: أيمن قحف- بورصات واسواق