دمشق – خاص- سيرياتديز
خرجت محافظة دمشق عن صمتها لتوضيح ملابسات اشعار االإنذار بالاخلاء حيث التقى المحافظ ماهر مروان أمس عدد عددا من شاغلي العقارات ضمن مبنى المحافظة وأكد أنه تم الاتفاق مع الشاغلين على بقاء الوضع على ماهو عليه حاليا بعد إيجاد حلول مناسبة من قبل المحافظة.
وأوضح مروان أن القرار الذي كان المفترض اتخاذه يأتي ضمن سياق احتياجات ملحة يهدف إلى تحسين الواقع الإداري للمبنى، مبينا أن المحافظة حريصة على حقوق جميع المواطنين ومصالحهم.
وكانت تطرقت سيريانديز للموضوع أمس الأول ورصدت حالة ا بين معارض يتمسك بالتراث والأصالة ومؤيد يدافع عن التطوير والحداثة انقسم السوريون على أنفسهم مرة أخرى فور الإعلان عن توجه حكومي إلى هدم مبنى محافظة دمشق الكائن في ساحة الشهيد يوسف العظمة وسط العاصمة السورية تحت عنوان الحداثة وعدم صلاحيته للاستعمال. محافظة دمشق أصدرت إنذارا رسميا طالبت فيه نفسها بإخلاء العقار رقم 641، الذي يضم مبنى المحافظة نفسه، تمهيدًا لهدمه بحجة أن المبنى “أصبح قديمًا وغير صالح للاستعمال”، بالإضافة إلى “تزايد عدد المراجعين والموظفين”، ولم تقف المحافظة عند هذا الحد بل حددت 1 حزيران يونيو 2025 موعدًا نهائيًّا للإخلاء متوعدة بأنها “لن تتحمل أي أضرار” في حال عدم الامتثال، هذا الإعلان رأى فيه الكثيرون حادثة غير مسبوقة كون المحافظة أنذرت نفسها بإخلاء المبنى الذي تدير من أروقته كل ملفات العاصمة التي يقطنها ما لا يقل عن 4 ملايين نسمة.
المحامي يوسف الحمود اعتبر في حديث لشبكة سيريانديز أن هذا الإنذار يعد من الإجراءات القانونية غير المسبوقة متسائلا كيف للمحافظة أن تنذر نفسها بإخلاء المبنى الذي يعود إليها أصلا، وكيف للمحافظة أن تصدر هذا الإنذار وتحكم بالإعدام على مبنى وإن من كان أملاكها قانونيا على الورق، وتتجاهل العقل الجمعي للدمشقيين بشكل خاص وللسوريين بشكل عام الذي يرى في المبنى ملكة عامة للجميع ولا يحق لأي جهة كانت أن تتخذ قرارا بإزالته تحت أي ذريعة أو حجة دون استمزاج الآراء حيال ذلك.
أهل الاختصاص في الهندسة المدنية والمعمارية تباينت آراؤهم بدورهم حيال القرار حيث رأى البعض أن القرار متسرع وجميع المبررات والعناوين التي وضع تحتها غير مقنعة
وفي هذا الإطار طالب المهندس خالد عكاش في تصريح لشبكة سيريانديز الجهات المعنية باستثمار وترميم المبنى بدلاً من هدمه وإن إعادة تأهيله يمكن أن يكون خطوة نحو الحفاظ على التراث، وتطويره بشكل يتلاءم مع متطلبات العصر. وشدد على أن المبنى يُعد من رموز المدينة القديمة ويحتفظ بذكريات العديد من الأجيال معربا عن قلقه من فقدان جزء من الطابع المعماري والتاريخي للعاصمة خاصة أن المبنى يُعتبر من عناصر الهوية المعمارية في دمشق القديمة.
مهندسون آخرون امتدحوا قرار المحافظة واعتبروا أن الضجة المثارة حول القرار غير مبرّرة من وجهة نظرهم المعمارية حيث رأى المهندس ياسين الكسم أن المبنى الحالي ليس أثريا، ولا يحمل قيمة رمزية أو معمارية تُحتم الحفاظ عليه، بل يقع في ساحة مركزية من أهم ساحات دمشق، وكان من الضروري إعادة النظر في وظيفتها وحضورها العمراني منذ سنوات وأن المدن لا تبقى ثابتة بل تتطور مع الزمن وإن دمشق اليوم بحاجة إلى واجهة مدنية تعكس روحها الحضارية المعاصرة لا أن تظل أسيرة مبانٍ رمادية فقدت معناها الجمالي والوظيفي.
فئات أخرى عارضت القرار ورفضته بشدة لجهة التوقيت والتكاليف المالية الباهظة وغير الملحة حاليا وفي هذا السياق قال المحامي سليم زكريا تعتبر محافظة دمشق أن الهدم يأتي ضمن خطة شاملة لتجديد المنطقة المحيطة التي تعاني من تعثر في عمليات الصيانة والتحديث منذ سنوات طويلة إضافة إلى فتح مساحات أكبر للتنمية العمرانية و"كأن المحافظة قد أنهت جميع الملفات العمرانية ولم يبق إلا وسط المدينة"، مضيفا " في هذا التوقيت الذي تعاني فيه سوريا ما تعانيه من ضائقة اقتصادية الأولى بمحافظة دمشق أن تتجه إلى صرف مئات الملايين التي ستنفقها على هدم المبنى وإعادة بنائه إلى إعادة تأهيل كراجات الانطلاق في العباسيين مثلا أو ترميم المباني التاريخية تعاني من الإهمال والتصدعات التي تهدد سلامتها.
إذا في ظل هذه الأجواء المتوترة يترقب الجميع والمهتمون بالشأن العمراني الإعلان الرسمي والنهائي بشأن مستقبل المبنى واحتمالية التراجع عن هدمه والتوجه إلى خيارات بديلة تضمن الحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي للمدينة حيث تتداخل الاعتبارات بين العمران والحفاظ على التراث مما يتطلب من الجميع النظر بعين الاعتبار للمصلحة المشتركة وإعطاء الأولوية لتطوير المدينة مع ضمان احترام تاريخها وتقاليدها.