رانيا شحيدة- رولا احمد
عندما يتعلق الأمر بالاستثمار الوطني تلغى جميع المحسوبيات، وتصعد كل الحسابات إلى ما فوق الطاولة، لإيجاد حلول سريعة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد .
تقوم المنظمات الدولية العاملة في سورية بدور مؤثر في تقديم المساعدات العينية لمتضرري الحرب ومثال عليها اللجنة الدولية للصليب الأحمر واليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي وغيرهم، كما لم يعد خافياً على أحد أن المساعدات التي تأتي بها تلك المنظمات إنما أغلبها بضائع تركية جاهزة رغم كل القرارات والتوصيات الحكومية بعدم إعطائها تأشيرة الدخول، ومنع استيرادها، لكنها حتى الآن ما زالت تدخل بطرق غير قانونية، الأمر الذي انعكس وما زال ينعكس سلباً على المنتج الوطني الرديف الأول لإعادة الإعمار والصعود بالاقتصاد السوري.
أما عن دعم المستثمر الوطني، وتعاونه مع المنظمات الدولية لتقديم كل ما يحتاجه المهجرين لم نسمع عنه الكثير.
فريق بورصات وأسواق- سيريانديز رصد واحدة من الحالات التي تعود بالنفع على الاقتصاد السوري بالدرجة الأولى وتؤمن فرص العمل، وهذا بالضبط ما قام به أحد المستثمرين الوطنيين من خلال مشروعه الذي يتضمن عقداً مع منظمة اليونسيف لإنتاج وتصنيع مجموعة من السلع وتشغيل عدد من المهجرين من خلال مئات الورش التي تعمل على الأرض السورية في مناطق مختلفة.
محطتنا الأولى كانت في مكتب رجل الأعمال السيد بلال نعال، خرق حصرية الشركات الخارجية عموماً والتركية خصوصاً ليحصل على عقود من المنظمات الدولية..
كانت المفاجأة كبيرة عندما رأيناه شاباُ لم يبلغ الأربعين ومع ذلك ملأت سيرة نجاحاته كل المجالس، سوري يحمل على عاتقه هم الدفاع عن اقتصاد وطن ويشع من عينيه بريق مفعم بمحبة وطن جريح وطن يعاني منذ خمس سنوات من حرب دمرت البشر والحجر والشجر ولكن بالرغم من كل هذا مازال لديه طموح واندفاع كبير لتحسين واقع فرض علينا والعمل بما يتناسب مع هذه الظروف وعن بداية شركة النعال قال بدأت مجموعة النعال نشاطها التجاري من محل متواضع في قلب مدينة الياسمين ومن أقدم أسواقها لتحمل عبقها وليفوح أريجها في كافة أنحاء القطر وحسب أكثر المفاهيم الحديثة في سوق العمل.
وفي بدايات الأزمة تكثفت اجتماعات مجلس إدارة مجموعة النعال لدراسة الظروف والمتغيرات التي طرأت, ولإيجاد الحلول في ظل المستجدات, في تلك الاجتماعات كانت تراودني تلك المقولة الرائعة للكاتب البريطاني شكسبير " نكون أو لا نكون هذا هو السؤال" كما كانت تحضرني نصيحة والدي حيث كان يقول لي دائماً وبلكنته الدمشقية والممزوجة بعبق الخبرة:
" لا يكفي أن تصل، بل عليك أن تفكر ماذا تستطيع أن تقدم للأخرين, وحينها لابد أنك سوف تصل"
فكان القرار الاستراتجي المتخذ هو استمرار نشاط الشركة في القطر وعدم نقل أي نشاط أو منشأة خارج سوريا بالرغم من المغريات الكبيرة, علّنا نساهم من موقعنا هذا في دعم اقتصاد بلدنا الحبيب, وتأمين ما يلزم من سلع, وتشغيل أكبر قدر ممكن من العمالة, وتخفيف آثار الأزمة قدر المستطاع.
وانبثق عن هذا القرار الكثير من الأفعال التي تُرجمت على أرض الواقع بالكثير من المشاريع التجارية والصناعية والخدمية
وعن الهدف الأول للمشروع الوطني قال بلال نعال أنه ومن خلال توظيف وتوفير فرص العمل, وتأهيل اليد العاملة المحلية, وتأمين الكثير من السلع والمستلزمات فهذا كله يدعم الاقتصاد الوطني، علماً أن مساهمة الشركة في التنمية البشرية, ومواكبة المنتج الوطني لمعايير الجودة العالمية، كل هذا من شأنه أن ينعكس على الاقتصاد الوطني ككل, وإننا اليوم نطبق ما قررناه في بداية الأزمة في عدم نقل أي منشأة عمل خارج الأراضي السورية, بل العمل على التوسع, وهو ما اعتبره بلال إنجازا متواضعا للشركة في مثل هذه الظروف الإستثنائية.
وفي نهاية المطاف مثل هذه المشاريع تعود بفائدة على الجميع وتؤهل الأشخاص الذين هجرتهم الحرب وتضعهم في المكان الصحيح .
وحول العقود مع المنظمات الدولية أوضح نعال أن الشركة نجحت في كسر احتكار الشركات الخارجية وحصلت على عقود ساهمت بتشغيل عدد كبير من ورش العمل الكبيرة ومتوسطة الحجم ومتناهية الصغر بهدف تأمين فرص عمل لأكبر قدر ممكن من الشباب العاطل حيث بلغ عدد الورش أكثر من 200 ورشة ومعمل بمختلف محافظات القطر، جميعها تعمل في مجال تصنيع الألبسة، الحقائب المدرسية والنسائية وأصناف اخرى، وايضا أعمال التجارة والطباعة ومنافذ البيع المباشر للشركة الموزعة في دمشق وباقي محافظات القطر، إضافة إلى جهود الشركة في ترميم المدارس وتأمين بعض مستلزماتها من مقاعد مدرسية والكثير من السلع الإغاثية كالسلل الغذائية والمنظفات والألبسة والحرامات وغيرها.
وعند سؤاله عن المعوقات التي تعترض طريق العمل أكد بلال أن العمالة السورية تواجه صعوبات في التنقل من حيث الزمن والتكلفة العالية ولذلك ارتأت الشركة إقامة عدة مراكز لها في القطر للتخفيف من هذه الصعوبات، ونظراً لوجود عدد كبير من المهجرين كان لابد من إعادة تأهيل البعض ليتلاءم مع العمل الجديد الموكل إليهم وبهذه الطريقة استطعنا التأقلم مع هذه المعوقات.
وحول الدعم الحكومي بين السيد نعال أن الحكومة تعمل ضمن أولويات طبقاً للتغيرات اللوجستية على الأرض, وحيث أن الجميع كحكومة وتجار وأفراد معنيون باستيعاب الوضع الطارئ الذي ألمّ ببلدنا الحبيب, فقد استطعنا من خلال خطط الطوارئ التي تعتمد على إيجاد حلول سريعة لمواجهة صعوبات نقل البضائع بين محافظات القطر وتأمين الاحتياجات الأساسية لعمل منشأتنا من كهرباء وماء وغيره وفي هذا المجال تم دعمنا، ولكن نعاني صعوبات في الحصول على إجازات استيراد سواء للمواد الأولية اللازمة لتصنيع منتجات العقود من مقاعد مدرسية وألبسة وجلديات، أو لاستكمال الكميات التي لا تتمكن الورش المحلية من إنجازها في الوقت المطلوب في العقد، مؤكداً أن عدة محاولات باءت بالفشل بالرغم من اننا نضع اموال المشروع في البنك المركزي بالعملة الصعبة ويتم تصريفها بالسعر الرسمي وهذا يعد دعم لليرة السورية ولكن عند حاجتنا الى المواد الأولية التي لا يمكن الاستغناء عنها في مرحلة التصنيع نمنع من استيرادها.
وأثنى بدوره على تعاون منظمة اليونسيف من خلال التسهيلات اللوجستية في مجال نقل البضائع، وعن وجود لجان تقوم بزيارات دورية للاطلاع على سير العمل، كي لا يكون عملاً أحادياً وإنما عملاً مزدوجاً تتشارك به جميع الجهات المعنية بالمشروع.
مضيفاً أنه وعلى الرغم من الصعوبات والظروف الاستثنائية التي نعيشها, إلا أننا نعمل جاهدين على تجاوزها من خلال تكثيف ورشات العمل وزيادة اليد العاملة, مما يتيح تحقيق الالتزام بالجداول الزمنية لتسليم البضائع في الوقت المحدد.
ومن خلال جولة ميدانية إلى بعض ورش العمل في منطقة سبينة وكانت إحدى المناطق الساخنة بريف دمشق توجهنا إلى هناك لنرى معملا للأخشاب واطلعنا على سير العمل والتقينا مع بعض من العمال الذين عبٌروا عن شكرهم وامتنانهم لشركة النعال التي قامت بتوفير فرص عمل لهم وتأمين إقامة للعمال المهجرين من منازلهم.
في الختام يبقى هناك التساؤل المطروح حول مدى الدعم الذي تقدمه الحكومة لتلك المشاريع الوطنية، وكيف تترجم الحكومة توجهاتها بدعم المنتج الوطني، بل من المسؤول عن دخول البضائع التركية تحت مرأى الحكومة دون أن يكون لها دور سوى إصدار القرارات والتعميمات التي ربما باتت لا تزيد عن كونها حبرا على ورق، ومن سيدفع ضريبة هذا التقصير إلا المنتج الوطني والمواطن السوري المتضرر الأول والأخير.