دمشق- سيريانديز
قراءة ذات بعد خطير وفي غاية الأهمية أوردتها صحفية البعث اليوم في هجوم مبطن منها على المصارف وشركات التأمين الخاصة التي ترتبط بشركات خارجية، لا بل تحدثت بصورة واضحة ولها تداعياتها فيما يخص المضمار اللبناني، خاصة وأن الأموال المودعة هناك لشركات ما زالت قائمة هنا في سورية !!، وعلى الأرجح هي مستمرة في نشاط “تهجير القطع الأجنبي” وعبر قنوات شبه مشروعة على اعتبار رساميلها التأسيسية لبنانية الجنسية!!.
وحسب افتتاحية البعث اليوم فإن معطيات الواقع تبين أن إلحاح سؤال من الطراز الإستراتيجي كهذا، يزداد وبشكل لا يخلو من التوجّع، كلما أفصح مسؤولو مصرف لبنان عن رقم جديد من متوالية الأرقام الصاعدة في بنية إيداعات السوريين هناك، ولاسيما وأن معظمها يعود لشركات وليس لأشخاص ؟!!، وقد وصلت إلى حدود 37 مليار دولار
ويتجلى ذلك-كما يرى مدير تحرير البعث ناظم عيد- في وقت همس آخرون بأنها تجاوزت 56 مليار دولار، ولكن مهما كان الرقم فإنه يزيد عن ضعفي الاحتياطي المركزي السوري قبيل الأزمة “في العام 2010″ ؟!، وتقودنا مثل هذه السيرة إلى أرقام مشابهة على مستوى الاستثمارات الجديدة للسوريين في الأردن “370” مصنعاً، وفي تركيا “10 آلاف شركة”.
صحيفة البعث اعتبرت أن تلك الشركات «خاصرة تنزف دولارً» ؟!.. وأن مكوّنات اقتصادنا و”معادن” رجالاته قد انكشفت تحت ضربات الواقع المرير، فالرجال يُعرفون أيام الشدائد لا أيام الموائد، ولا بد من ترتيبٍ جديد جوهره إعادة النظر بقوام قطاعات كبرى انبرت للمواجهة مع استحقاقات تنموية شغلتنا ودغدغت طموحاتنا على مرّ عقود من الزمن، فاختارت الانطواء في الركن الريعي الطفيلي من مساحات اقتصادنا الرحبة، لجباية وقطف جلّ دسم النتاج العام للبلاد بخلاصاته الظاهرة بهيئة نقود بهوياتها متعددة الجنسيّات، ثم انكفأت بل غابت بكامل ملاءاتها المالية الهائلة، في أحلك ظرف يمكن أن تمرّ به البلد!.
وذهبت الصحيفة إلى أبد من ذلك، بأن ثمة سؤال “نزق” بدأ يلحّ في تقديم نفسه إلى واجهة التداول العام في سياق الحزمة ذاتها من الأفكار والتوجّسات، يستفسر عمّا تفكر به حكومتنا بشأن شركات يصح وصفها بـ”شركات الفرص الامتيازية”، فهي شركات الانفتاح التي بالغنا في الاحتفاء في بتوطينها، ربما كردّات فعل متسرّعة على إجراءات مزمنة من الحصر والمنع؟.
وتتوضح أهمية هذا الملف لعدم تدارك نتائجه في المشهد الاقتصادي، فهوي لم يفتح بعد أمام حكومتنا، لكن لا بد من فتحه والبدء بمعالجته سريعاً، مع إدراك حقيقة تزاحم الاستحقاقات الراهنة، ولكن بحسب الصحيفة إن بقاء هذه الخاصرة مفتوحة تنزف دولاراً، من شأنه إبطال أي مفاعيل إيجابية يمكن أن ينتجها الحراك الحكومي المكثّف، الذي يبدو تحدي الدولار مستحكماً به إلى حد غير قليل، وهذا واقع قائم حتى ولو لم يعترف به الرسميون.
وحول ماهية المعالجة فيجب أن تتمحوّر في سياق عام يشمل إعادة صياغة بنى الاقتصاد السوري، واستدراك هفوات الحكومات السابقة، وإيجاد صيغة ما للحد من استفراد الشركات الريعية ذات الجنسيات غير السورية بمقدرات البلاد، واستحواذها على حصص نظيراتها الحكومية، التي انكفأت تحت وطأة توجهات السلطة التنفيذية نحو العناية الفائقة بالرساميل الوافدة.
وقد يكون الحل بدخول الحكومة كمساهم قوي في هذه الشركات، بنسب تضمن حصّة من العائدات المجزية، بحيث تضمن عدم تحريك الحسابات إلّا بعلم الدولة، أو تكليفها – الشركات- بعبء اجتماعي أو اقتصادي جديد، مع فرض رقابة شديدة على أعمالها وميزانياتها وموجوداتها، أو أي صيغة أخرى تضمن حقوق الدولة وتمنع تحوّل مثل هذه الشركات إلى “خاصرة ضعيفة” في زمن المحنة والوهن.
إن هذا الملف ليعد يحتمل التأجيل، ويخطئ كل من يرى أن التريث مطلوب حتى يحين الوقت المناسب، دون أن يحدد معايير ذلك “الوقت المناسب”، وإن عقدنا العزم على المباشرة بالمعالجة، فلابد أن يتضمّن ذلك جردات حساب ومساءلة بمفعول رجعي.
ولتكن البداية بإرغام هذه الشركات على إعادة الأموال التي “هرّبتها” باتجاه البلدان المجاورة، ونعتقد أن نصف أزمتنا الاقتصادية سيُحل لو نجحنا، ويجب أن ننجح.