المطلوب فتح أسواقٍ خارجية بشراكةٍ مع الدولة.. فاتحادات الحرفيين تعد مجتمع أهلي لا يطبق عليها الحصار
الحلُ بدعمِ الحرف.. فسورية ليست بالدولة الصناعية المتطورة لنعوّل على الصناعة!
المسوتي: نحتاجُ قراراتِ بالاستيراد المباشر لبعض المواد الأولية لضبط السوق والقضاء على حلقات الوساطة
• فكر الخصخصة السلبية أظهرَ تجارً أقوياء منحوا تراخيص لتمويل السوق بالمواد الأولية!
• بورصات وأسواق – مجد عبيسي
لم تكن لدي النية أن أكتب ما لا يقرأ يوماً، حين تأملت بعصب النهضة الاقتصادية السورية لأكتب عن آلية النهوض الجديدة، لم أجد إلا قطاعين أساسين، كانا لنا الأمان منذ القدم، الزراعة والصناعة..
للزراعةِ حديثٌ لاحق لم أوفق به هذا العدد، أما الصناعة، فقد انحصر لدينا مفهومها بإنشاء المعامل والمداخن المرتفعة، والمدن الصناعية الضخمة والإنتاجات الكبيرة، ذات التكلفة العالية والدراسات المطولة والتي لم نوفق بإطلاق سوى النذر القليل منها والذي لا يكفي للنهوض بالمرحلة القادمة!.
الحقيقة أننا تغافلنا عن قطاعٍ هو الأضخم من قطاعي الصناعة والتجارة مجتمعين، رغم أنه يندرج تحت بند الصناعة كذلك، ألا وهو قطاع المهن والحرف اليدوية. هذا القطاع يُعد من الصناعات المتوسطة والصغيرة، لا بل ومتناهية الصغر.
ولمّا تميزت سورية عن غيرها من دول المنطقة بمهن نوعية التصقت بهويتها لدى السواح والمؤرخين عبر العصور، كان لا بدَّ من الإشارة إلى تنشيط هذا القطاع، لأكتشف في هذه المادة أنه الأهم.. والأهم فعلاً، ولديه خطة نهوض اقتصادية شاملة في سورية تنتظر التطبيق اليسير عبر قراراتٍ جديدة وزمنٍ قصير ورؤوسُ أموالٍ صغيرة.
الحرفِ التراثيةُ.. هي الأكثر تضرراً!
تعد الحرف التراثية هي هوية سورية، وتضم نحو 34 حرفة من الفسيفساء والنحت والصدف، إلى الموزاييك- الثريات- النقش- الزجاج- العجمي- الروستيك- الزجاج المعشق.. وأعمال فنية يدوية كاملة.
ويعد هذا القطاع من أكبر القطاعات التي تضررت، بسبب توقفه منذ بداية الأزمة، وعزوف قدوم السواح، وانعدام التوريد الخارجي، إضافةً إلى قلة اليد العاملة، كذلك عزوف الناس عن تعلم هذه الحرف لضعف سوقها الداخلية وتسويقها خارجياً، مما حدا بالدول الأخرى –للأسف- إلى سرقة شيوخ الكار لهذه الحرف.
مشكلاتُ المناطقِ الحرفية الحالية
تعاني مناطق الصناعات الحرفية من رهاب الإغلاق والانتقال إلى مناطق جديدة تحت مسميات عدة، كالمخططات التنظيمية الحديثة، والابتعاد عن المناطق السكنية، والحفاظ على البيئة.. إلخ!!
حالياً تتوزع الصناعات الحرفية في عدة مناطق، ففي منطقة الزبلطاني توجد صناعة التريكو وخاصة الألبسة، كذلك حرفة الدباغة في الزبلطاني- الدباغات سابقاً.
صيانة السيارات تركزت في مناطق حوش بلاس والقدم ومجمع طيبة ومجمع الشام، أما منطقة السليمة، فتخصصت بمواد البناء من بلاط ورخام ومواد بناء وديكور.
إضافةً إلى التواجد في القابون الصناعية، والتي لها حديث خاص لا يسعنا تقديمه هنا، سوى الإشارة إلى أن الدولة حالياً تعمل على نقل الصناعيين وإخراجهم إلى مناطق أخرى، وتقوم الدولة -حسب قول المدراء والتوجيهات- بإقامة مجمعات جديدة بعيدة جداً لنقلهم ونقل مجمعات أخرى كذلك!!
رأيٌّ مختصٌ حولَ نقل المناطق الصناعية
رئيس المكتب الاقتصادي في اتحاد الجمعيات الحرفية في دمشق خلدون المسوتي أكد أنه لا مانع لديهم من وجود مناطق جديدة، ولكن ليس الآن، ولديه وجهة نظر مبررة حسب قوله كالتالي:
• نحن بحاجة إلى إصلاح هذه الأماكن، ومراعاة الخدمات بها حالياً، وذلك لبندين أولهما : إن التكلفة أقل، والمبالغ الكبيرة لنقل منشأة غير متوافرة حالياً لدى العاملين بهذه الحرف بسبب الظروف.. وثانيهما أن العمل –لا الانتظار- يعطي الراحة والاستقرار المادي والنفسي للحرفي، وللعاملين لديه، وينعكس إيجاباً على اقتصاد الدولة.
• إنَّ وجود مناطقٍ جديدة يكلف الدولة والمكتتب أو الحرفي المنقول أموالاً كثيرة، إضافةً إلى توقف العمل والعمال، وتسبب تراجع كبير برأس المال مما يؤدي إلى خروج البعض عن سوق العمل.. والهجرة لآخرين.
• وحتى إن كان التمويلُ على شكل قروضٍ، فسيعاني الحرفي من طول الفترة الزمنية للانطلاق، وقلة الخدمات، وبعد المسافة عن مسكن العمال.
• إضافةً أنه إن سرى قرار نقل المنشآت، فستدمر الصناعات العريقة، والتي تحتاجها البلد في الوقت الراهن لإعادة الإعمار، عدا عن أن حقوق أصحاب المنشآت غير محفوظة.. لا بل ومستغلة.
• وكذلك إن إيقاف المنشآت الحرفية، تؤدي إلى جمود العمل القائم، ولا يمكن المراهنة على انطلاق صناعاتٍ جديدة، فبالحقيقة لا يوجد مكتتبين، ولم يعد هنالك عمالاً يرغبون بالعمل في ظل هذه الظروف.
وارتأى المسوتي أن الحل الأفضل هو أن يبقى الحال على ما هو عليه، بل وإصلاح الموجود ومساعدة القائم، والأهم المناطق الحرفية التراثية، كونه تم فقدان 90% من هؤلاء الحرفيين خلال الأزمة، وهذه الحرف في الحقيقة هي هوية سورية.
خطوات ننهضُ باقتصادِ سورية
طالب المسوتي بإطلاق يد إدارات اتحادات الحرفيين في كل محافظة، لما لها من خصوصية تدركها إدارة المحافظة نفسها، فلكل محافظة خصوصية عن الأخرى ولا يجب التعميم.
كما أشار إلى أن التنسيب يجب أن يكون رسمياً للجميع، لحصر العمل وآليته وتوزيع المواد الخاصة بالحرفيين، لإبعاد المتاجرة والمستغلين، وحتى توزيع مواد المحروقات عليهم حسب عملهم وعن طريق اتحاداتهم وجمعياتهم، خوفاً من السرقة والتشرذم، واستيراد المواد اللازمة مثل السنوات السابقة.
وأشار إلى أن المنتج الحرفي السوري هو منافسٌ قويٌّ في العالم، إن توافرت مواده الأولية دون الإتجار بها، أي من المصنع إلى سوق العرض مباشرةً، أي للمستهلك دونما حلقات وساطة.
وأضاف: إن هذا الإجراء جديرٌ بتخفيضٍ كبيرٍ في الأسعار النهائية للبيع، والتي غالباً ما تكون فروقات كبيرة بين التكلفة الأساسية والسعر النهائي، وإن تم تطبيق هذه الإستراتيجية، فهذا كفيل بأن تنافس المنتجات السورية في أكبر الأسواق العالمية بجودتها وسعرها المنخفض.
واقترح أيضاً فتح أسواق داخلية خاصة، من خلال توظيف مباني ملك للدولة وغير مستخدمة، وجعلها أسواقاً تخصصية كما كان متبع قديماً في أسواق دمشق، كالعصرونية والمناخلية وسوق الخجا، وإن مثل هذه الأسواق، تفتح المجال للمنافسة الشريفة، وتكون منتجة، وبإمكان الدولة المشاركة بها.
ودعا المسوتي إلى فتح أسواق خارجية بشراكة الدولة مع المختصين من الحرف، والذين يعلمون أسرار مهنهم ومضامين أعمالهم، وليس مع إدارات عامة كما طرح في وقت سابق مع كل محافظة وكل جمعية على حدا، لأنهم وحدهم الحرفيون يعلمون ما يريدون، والدخول للأسواق الخارجية عبر معارض دائمة مع الدول الصديقة، فاتحادات الحرفيين تعد منظمات شعبية ومجتمع أهلي.. لا يطبق عليها الحصار.
وأكد أن السوق الحرفية السورية الحالية هي سوقٌ مفتوحة ومستغلّة من قلة من الأفراد، مع العلم أن القطاع الحرفي أو المهني هو من أخرج دولاً كبرى من أزماتها بعد الحروب، أمثال ألمانيا واليابان وروسيا والصين، ويمكن التنويه أن الصين اليوم هي من أكبر الأسواق في العالم لدعمها المهن والمهنيين لديها.
نحنُ بأمسِ الحاجةِ إليه!
وأشار المسوتي أننا اليوم بأمس الحاجة لهذه المطالب ، لأن سورية ليست بالدولة الصناعية المتطورة لنعول على الصناعة، إذ نشتري الآلات من الخارج لنعمل بها، كذلك عدد التجار والصناعيين والمصدرين أصغر ما يكون، ولا عمالة ذكورية لدينا..
فالمطلوب بشكلٍ أساسي تأمين المواد الأولية للحرفي، والمطلوب تصنيع آلات العمل محلياً، وهذا ليس ببعيد التحقيق، فهذه المرحلة تتطلب ورشات عمل صغيرة ومعامل صغيرة، لأننا نفتقر حالياً للعمالة الذكورية، ولدينا الكثير من البديل الأنثوي الذي يمكن أن يسد هذا الخلل، المعامل الكبيرة ليست مناسبة في الفترة الراهنة.
والحرفي هو مشروع تاجر ٍوصناعي كبير إن تطور وقُدم له الدعم المناسب، ومصدر دخلٍ كبير للدولة لا يستهان به على المدى البعيد والمنظور.
مقترحٌ لتجاوزِ الحلقات الوسيطة
يجب تجاوز أصحاب الحرف الحلقات الوسيطة في تأمين المواد الأولية مثل أيام الثمانينات والتسعينات، أي أن نعطي الصلاحيات للاتحادات الحرفية - التي لا تطبق عليها قواعد الحصار الخارجي- بجمع احتياجات الحرفيين من المواد الأولية، ونُقدم على استيرادها بالكميات المحددة وفق الحاجة ووفق ضريبة مخفضة عن التجار، وهذا له العديد من الجوانب المفيدة، منها دفع جميع أصحاب المهن للانتساب والتنظيم ضمن جمعياتهم، مما يتيح إمكانية الضبط الكبيرة عبر لجان تقييم للحاجة الحقيقية من المواد الأولية، والرقابة التصنيعية، وإعطاء الأرقام الصحيحة للمالية، فلا يعد بالإمكان بيع المواد الأولية مرة ثانية لأن الحرفي ملزم بتقديم بيان عن تصنيع نفس الكميات، عدا عن ضبط الأسعار لمعرفة أن مصدر المواد الأولية واحد والسعر مضبوط من جهة رسمية.
بذلك تكون جميع القطاعات مضبوطة، وبالتالي لا يمكن تهريب المواد الخام، إضافةً إلى الحدّ الكبير من التهرب الضريبي لضبط المدخلات والمخرجات.
مشكلةُ احتكارِ استيرادِ المواد الأولية!
يضيف المسوتي: طبعاً ما نقوله ليس فكراً جديداً، إذ كان هذا حالنا منذ سنواتٍ طويلة، ولم يتغير هذا الحال إلا منذ بضعة سنوات، حين دخل فكر الخصخصة السلبية وظهر تجار أقوياء منحوا تراخيص لتمويل السوق بهذه المواد.
إن مشكلة وجود مستوردين محددين للمواد الأولية، هي أن المستورد حين يدخل المادة الأولية بسعرٍ مرتفع، عندها تضطر جميع الورش والحرف أن تأخذ منه بسعره، أو ستتوقف أعمالها، فتصبح خسارة طويلة الأمد.. وتجربة سنغافورة ليست ببعيدة عنا، بينما إن طبقت آلية منح رخص الاستيراد لاتحادات الحرفيين لبعض المواد الأولية الخاصة بالحرف بموجب الاحتياجات الفعلية فقط، فهذا سيلغي الاحتكار السعري، وسينعكس إيجاباً بانخفاضٍ كبيرٍ في الأسعار في السوق الداخلية عبر اختصار حلقات تجار بيع المفرق، ومنافسة سعرية قوية في الأسواق الخارجية مع جودة المنتج السوري المعروفة.
لذا يجب استثمار هذا الوضع الآن، فالوقت حاسم، لأن اليد العاملة السورية أصبحت رخيصة مع الوضع الاقتصادي الحالي، وهذا ينعكس مرابح كبيرة للسوريين وحيازة حصة كبيرة من السوق العالمية كما فعلت الصين، حيث استطاعت بهذه السياسة أن تنافس جميع صناعات دول العالم!.
هامشٌ للتوضيح
هناك نحو 40 جمعيةً حرفية ، مقسمةً إلى أقسامٍ أساسيةٍ ويتفرع منها الكثير:
- الجلديات: أحذية- حقائب- دباغة.. إلخ
- الغذائيات: أجبانٌ وألبان- وجباتٌ شعبية- اللحوم بأنواعها- المطاعم.. إلخ
- الخدمية: صيانةُ السيارات- تشكيلُ المعادن بكافة أنواعها والموادة المستخرجة منها..
- البناء: الصناعات الأسمنتية "بلاط- بلوك- بحص.."- الرخام ومنتجاته كافةً..
- التجميل والصابون: الشامبو- مواد التنظيف- صابون الغار- البخور.. إلخ
- الصياغةٌ والمجوهراتُ والأحجارُ الكريمة.
- المعاهدُ ومراكزُ التدريب
- الفنادقُ من الدرجةِ الثالثة ومادون
- الخياطين ومصممي الأزياء ومنتجاتهم
- معقبي المعاملات والتخليص الجمركي والمصورين.. إلخ
- الحرفُ التراثية والتي تعد القطاع الأكبر والأهم..