سيريانديز – خاص
في خطوة تحمل دلالات اقتصادية وسياسية مهمة أعلنت وزارات الخارجية والتجارة والخزانة الأميركية في بيان مشترك تعليق العمل بقانون "قيصر" لمدة 180 يوما والسماح بنقل معظم السلع المدنية الأميركية بما في ذلك البرمجيات والتكنولوجيا إلى سوريا دون الحاجة إلى ترخيص، وجاء القرار عقب اللقاء الذي جمع الرئيس أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض في أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى واشنطن منذ استقلال البلاد.
فرصة مشروطة
وينظر خبراء اقتصاديون إلى هذا التطور كفرصة نادرة أمام الاقتصاد السوري للخروج من حالة الجمود التي فرضتها سنوات الحرب والعقوبات إلا أن استثمار هذه الفرصة يتطلب من الحكومة السورية تحركا سريعًا ومدروسًا يتضمن إطلاق إصلاحات اقتصادية وإدارية حقيقية وتهيئة بيئة قانونية جاذبة للاستثمار وضمان الشفافية في إدارة مشاريع الإعمار والمساعدات الدولية مؤكدين أن نجاح هذه المرحلة لا يتوقف على رفع العقوبات فحسب بل على قدرة الدولة على ترجمة هذا الانفتاح إلى نتائج ملموسة تعزز الثقة الدولية وتعيد الحيوية إلى الاقتصاد الوطني.
تخفيف العقوبات وتوجيهات اقتصادية جديدة
البيان الأميركي أوضح أن العقوبات الشاملة على سوريا لم تعد سارية مع استمرار القيود على شخصيات وكيانات مرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان أو أنشطة غير قانونية، وذلك بهدف دعم جهود إعادة بناء الاقتصاد السوري وتحقيق الاستقرار وتعزيز فرص التنمية لجميع المواطنين إلى جانب مكافحة الإرهاب.
كما تضمّن البيان توجيهات مباشرة من الرئيس الأميركي للوكالات الحكومية لتشجيع القطاع الخاص الأميركي والشركاء الدوليين على إعادة الانخراط في السوق السورية وتقديم الإرشادات اللازمة لتفعيل هذه السياسات بما يضمن انتقالًا من التجميد الاقتصادي إلى الانفتاح التدريجي.
انعكاسات اقتصادية محتملة
يفتح القرار الأميركي الباب أمام تدفقات مالية واستثمارات كانت مجمدة لسنوات ويمنح الاقتصاد السوري فرصة لالتقاط أنفاسه بعد أكثر من عقد من الحرب والعقوبات. وتُقدّر تكلفة إعادة الإعمار بأكثر من 216 مليار دولار وفق البنك الدولي بينما تشير تقديرات محلية إلى أن الرقم قد يصل إلى تريليون دولار ما يجعل الانفتاح الدولي عنصرًا حاسمًا في أي خطة تعافي فعالة.
ويشير الخبير الاقتصادي محمود السلامة إلى أن رفع القيود عن تصدير البرمجيات والتكنولوجيا الأميركية يمكن أن يسهم في تحديث البنية التحتية الرقمية وتحسين كفاءة القطاعات الإنتاجية والخدمية خاصة في مجالات الاتصالات والطاقة والتعليم وهو ما يتطلب استعدادًا مؤسسيًا لاستيعاب هذه التحولات.
مسؤوليات حكومية عاجلة
يرى خبراء اقتصاديون أن ترجمة هذه القرارات إلى نتائج ملموسة لا يمكن أن تتحقق دون استجابة حكومية مدروسة تشمل إعداد خطة اقتصادية عاجلة لتحسين الخدمات الأساسية واستقرار سعر صرف الليرة وتهيئة بيئة قانونية وإدارية جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي وضمان الشفافية والحوكمة في إدارة مشاريع الإعمار والمساعدات الدولية والتعامل الواقعي مع الشركاء الدوليين وفق المصالح المشتركة دون المساس بالثوابت الوطنية.
من التعافي إلى البناء
تمثل زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن وما تبعها من قرارات اقتصادية فرصة حقيقية لسوريا للانتقال من مرحلة التعافي إلى مرحلة البناء، لكن هذه الفرصة تبقى رهينة بقدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات جادة وتوفير بيئة مستقرة وشفافة تضمن استمرارية الدعم الدولي وتعيد الثقة إلى المستثمرين والمانحين وتضع سوريا على طريق استعادة موقعها في الاقتصاد العالمي.