كتب أيمن قحف
بالأمس كنت من بين من تلقوا دعوة كريمة من رئاسة مجلس الوزراء لحضور حفل الاستقبال بمناسبة الثامن من آذار.. بالنسبة لي لم أتذكر فقط الثورة وإنجازاتها ورجالاتها القدامى الذين قابلتهم، بل عادت إلي ذكرى خاصة تتعلق بقضية قادتني في لحظة ما لوضع "الكلبشات" في يدي ووقوفي لساعات خلف القضبان..
ما أعاد إلي تلك القصة أنني رأيت اثنين من "أبطالها" وكانا آنذاك على طرفي نقيض من قضيتي.. وهما السيد محمد سعيد بخيتان والسيد محمد نبيل الخطيب..
أول شخص قابلته عندما كنت أتبادل الحديث مع الصديق المهندس عمر غلاونجي وزير الإسكان والتعمير هو السيد محمد نبيل الخطيب عضومجلس الشعب حالياً ووزير العدل سابقاً والذي كان في 1993 محامياً عاماً أولاً بدمشق، يومها كتبت تحقيقاً صحفياً عن عصابة قيل أنها تقوم بخطف الأطفال للحصول على أعضائهم، وكانت مصادري أقسام الشرطة والضبوط المنظمة والأطفال الذين تم اختطافهم..
قامت القيامة يومها وجمع وزير الداخلية آنذاك الدكتور محمد حربا "أركان وزارته" لتكذيبي وتمت صياغة القصة من جديد ونشرها في صحيفة البعث لإثبات أن القصة التي كتبها "غير صحيحة" وذلك لتخفيف قلق الشارع.. فيما بعد لم يكتف وزير الداخلية بالتصحيح بل حرك المحامي العام الأول نبيل الخطيب ليقيم دعوى عليّ بتهمة مقاومة النظام الاشتراكي وكانت تلك تهمة أمام محكمة الأمن الاقتصادي تودي صاحبها بالسجن 15 سنة ويحاكم موقوفاً وليس طليقاً.
استغربت جداً كيف "طاوع قلب نبيل الخطيب" أن يتهمني هكذا تهمة لمجرد أنني كتبت مقالاً مصدره أقسام الشرطة مع الصور والوثائق لم يتعاون وزير العدل آنذاك عبد الله طلبه" مع ما طلبه رئيس تحرير البعث آنذاك د.تركي صقر وجهات عديدة ولم يقف اتحاد الصحفيين برئاسة د.صابر فلحوط- موقفاً قوياً..
لذلك تم مثولي امام قاضي التحقيق الاقتصادي على أمل أن القضية ستطوى، ولكن كان هناك وضعاً مقلقاً كاد يودي بي إلى السجن لفترة طويلة، ولكن الموقف الرجولي للدكتور تركي صقر واتصالاته بمختلف الجهات المعنية وبوزير العدل مكن من تجاوز الأزمة واستعدت حرّيتي خلال ساعات وفيما بعد طويت القضية مع ضحكة ساخرة من قاضي التحقيق "كامل عويس" الذي قال: صحيفة البعث ومقاومة النظام الاشتراكي؟!!
بقي نبيل الخطيب في ذاكرتي شخصاً ظلمني وظلم مهنة الصحافة، وأصبح فيما بعد وزيراً للعدل ، ثم أعفي من منصبه واختفى ليعود عضواً في مجلس الشعب ورأيته بالأمس أمامي.. ذكّرته بنفسي فإذا هو يتذكرني جيداً...
قلت له: لا أدري إن كنت سأبقى "زعلاناً" منك على ظلمك لي أم أسامحك بعد على هذه السنين؟ ضحك وقال لي: أنت تعرف كيف كانت الأمور تسير آنذاك ومن ضغط للادعاء عليك؟!
لم تكن هذه الإجابة التي أبحث عنها حتى لو كانت حقيقية، كنت أتمنى لو قال لي القاضي الموقر أنه ظلمني، كنت أتمنى لو أنه قال لي أن الإدعاء العام يجب أن لا يكون أداة في يد أحد سواء من الأشخاص أو المسؤولين وعلى الأقل أن يبنى على وقائع وأن توجه التهمة بحجم "الخطأ" إن وجد وليس "مقاومة النظام الاشتراكي"..
ومع ذلك وجدت في قلبي متسعاً لأسامحه لأنني في طبعي لا أحمل الحقد في قلبي على أحد. وفي نفس القضية تذكرت موقف "أبو سعيد" بخيتان الذي كان آنذاك رئيساً لفرع الأمن الجنائي بدمشق والذي استدعاني واستمع مني بكل احترام ودون أي ازعاج وكان موقفه أمام وزير الداخلية منصفاً وجريئاً في وقت كان الآخرون يرتعدون خوفا منه، وقد ظهرت رجولته وأصالته في لحظة متوترة وعاصفة، فقد كان الوزير يحتفل بانتهاء القضية عندما جاءه هاتف يقول أنني التقيت في نفس اليوم أشخاصاً حدثوني عن حوادث مشابهة وربما أكتب شيئاً جديداً، انفجر الوزير حربا بالغضب وأصبح الجو مشحوناً جداً وينذر بكارثة، سألني عن القصة فقلت له أن أشخاصاً اتصلوا بي وأبلغوني بعض المعلومات والتي ولحسن الحظ نقلتها فوراً للعميد بخيتان مع قناعتي أنها ليست صحيحة وفي لحظة سيطر الخوف على الجميع صدق أبو سعيد على كلامي وابلغ الوزير "الغاضب"أنني لم أخطئ في شيء وتصرفت بشكل سليم، فهدأ الموقف ومرت الليلة بسلام..ذهب أبو سعيد إلى حماه محافظاً وعاد إلى دمشق عضوا في القيادة القطرية ثم أصبح أميناً قطريا مساعداً ومازلت أتذكر بكل فخر مواقف هذا "الرجل" حقاً إنه رجل شجاع ومنصف وأنقذني في لحظة لم أكن أعلم ماذا سيفعل بي وزير الداخلية لو لم يتدخل "أبو سعيد"..
في حفل الاستقبال احتضنني الرفيق بخيتان بحرارة محب صادق، دعاني لزيارته، قلت له: بالنسبة لي حينما يقال عن شخص بأنه "رجل" فإنك أول من يخطر ببالي.. أنت رجل.. والرجال قليل..