(1)
عدت إلى وطني سورية ومدينتي الحبيبة دمشق بعد أسبوع في جنيف ومونترو..أول انطباع هو أنني أشعر هنا بأمان أكبر من سويسرا ومبنى الأمم المتحدة ووجوه من يتفاوضون المليئة بالسموم!!
دمشق،ومخاطرها المعروفة أكثر أماناً من جنيف وقصر الـUNالشهير وإجرءاته الأمنية المشددة التي لا تمسك أجهزة التفتيش فيها ولا ضباطها المدربين الشر والحقد الذي يودي بملايين البشر بسبب أناس مبتسمين وياقاتهم بيضاء!!
في جنيف صراع إرادات وقوى عالمية ومشاريع كبرى،كل شيء يحضر إلا صورة المواطن السوري البسيط ووجوه أطفال سورية وجنازات شهدائها ،هؤلاء ليسوا إلا"عدة الشغل"لأناس حاقدين على البشرية ولاهثين خلف الكراسي أو المال أو الظهور الإعلامي واسترضاء مشغليهم!
في جنيف ينشغل الجميع بـ"تنجير الخوازيق"وليس في إزالة الألغام،في تسجيل النقاط وليس تصفية القلوب..
لا تظنوني متشائماً،بل قد أكون من القلة المتفائلين بجنيف،ولكن يحتاج الأمر صحوة تقلب الطاولة على الأطراف الدولية وتعيد جنيف إلى دمشق وحدها..
*هامش1:الأخضر الابراهيمي "أسوأ" من أبو نايف!
*هامش 2:في ظل غلاء أسعار سويسرا وفنادقها وطعامها وتنقلاتها وثمن زجاجة الماء -ربع لتر-يعادل750ليرة سورية،بدأت أشك في مصادر تمويل كثيرين ممن كنت أظنهم "أصحاب مبدأ"!!
(2)
أعتقد أن جنيف 2 يشكل أفضل حالة مران ديمقراطي،ولو كان غير مكتمل الأطراف المؤثرة ولاسيما من طرف المعارضة أو المستقلين.
بغض النظر عن تقييماتنا الشخصية للأشخاص والمواقف،فإن الحقيقة الوحيدة التي وجدتها في جنيف أنه لا توجد لدينا ثقافة المعارضة والحكم وعلاقتهما الجدلية!
تذكرت قولاً شهيراً لرئيس وزراء بريطاني كان حزبه يتجه للفوز بالانتخابات عندما قال لصحفي عشية الانتخابات:للأسف،يبدو أننا سنفوز للمرة الثالثة!!!
دهش الصحفي وسأله:تفوزون فهمتها،ولكن لم الأسف؟!!
أجاب الرجل:يا صديقي ،بعد 12 سنة في الحكم هم لن يعرفوا كيف يحكمون ونحن لن نعرف كيف نعارض!!!
ما نراه في جنيف ولادة حياة سياسية حقيقية،ولو مع الأشخاص الخطأ!!
تتعلم الحكومة اليوم كيف تتقبل جلوس أناس أمامها على الطاولة،يرفضونها ويرفضون طروحاتها،ويتحدونها دون أن تملك الحق في اعتقالهم!!
ويتعلم المعارضون أنه ليس بـ"التشبيح"تدار الدول،وليس بالاستقواء بالخارج نكسب الداخل،يتعلمون فن الحوار و الواقعية وتحمل مسؤوليات تصرفاتهم وكلامهم،والأهم يزول الوهم بين حسابات الساسة والإعلام..وحسابات الميدان!
بالنسبة لي تدربت على الحوار،فواجهت تلفزيونياً المعارضين هيثم المالح وسمير التقي ،و تحدثت قليلاً مع برهان غليون وأبلغته أنه خسر احترام الكثير من المثقفين والأكاديميين عندما غير مكانه من الفكر العلماني للتحالف مع إسلاميين متشددين يقومون بكل أنواع الإرهاب!!
سلمت على زملائي الصحفيين الذين غادروا ليصبحوا"إعلام المعارضة"ومعظمهم ممن كانوا الأكثر قرباً من الأجهزة!!!ورأيت أن باستطاعتي محاورتهم..
رأيت أن لمستقل مثلي يمكن أن يكون له مكان محترم في المشهد الديمقراطي.
كل شيء ممكن بالتمرين!!
(3)
اليوم تأكدت -مع نهاية الجولة الأولى-أن عودتي المبكرة قبل الوفد الرسمي والإعلامي كانت مبررة لأنني لم أتوقع اختراقات في الأيام الأربعة التي لم أحضر فيها..
من الواضح أن ظروف التوصل إلى حل لم تنضج بعد،واختارت القوى الغربية ومعها بان كي مون فريقاً لتمثيل المعارضة اتضح أنه لا يمثل -حتى نفسه-!!!
الأمر المتفق عليه هو أن أعضاء وفد"الائتلاف"غير معروفين من قبل الشعب السوري الذي يتحدثون باسمه،لكن الأغرب من ذلك-والذي لمسته شخصياً في جنيف-هو أنهم لا يعرفون بعضهم البعض!!!
من الضروري التأكيد على أن نسبة كبيرة من الحضور كان يهمهم"تثبيت الوجود"،وقضية حب الظهور،وقلة الخبار الحقيقية جعلت المؤتمر حلبة ظهور إعلامي للجميع،وبات الإعلاميون يجرون لقاءات "مع بعضهم"لكي يملؤوا الفراغ والبث!!
أنا شخصياً أجريت أربع مقابلات مع وسائل إعلامية متنوعة،ولكنني لم أحاول الحصول على تصريحات من زملائي الإعلاميين!
لقد نجح الإعلام الوطني في تغطية ساعات البث والصفحات بتغطية أراحت الشريحة المؤيدة من الشارع السوري،ولكن لم نستغل-مسؤولين وإعلاميين-كما يجب منبر جنيف وتواجد الإعلام العالمي-المحايد والمعادي-لنقل سائل لطالما كنا بحاجتها ليعرف الناس حقيقة ما يجري!!
لقد كانت الاستفادة بالحدود الدنيا،وبشكل غير منسق وغير احترافي،لم نحاول الاستفادة من خبراء في الإعلام والعلاقات العامة لتحقيق إعلى كفاءة من الحضور والظهور الإعلامي والاستفادة من الحشد العالمي غير المسبوق.
حافظنا على جمهورنا المؤيد ورفعنا معنوياته:نعم..
هل غيرنا رأي أحد في الجانب الآخر أو المحايدين"للأسف النتائج محدودة جداً!!!
كل جنيف وأنتم بخير..
*ملاحظة1:تحية للدكتور يزن العبدالله صاحب الإشراقة المتميزة في جنيف.
*ملاحظة2:بذل الزملاء في البعثة الإعلامية-وأنا لم يعتبرونني منهم-جهداً رائعاً ومخلصاً يستحق التقدير،ولكن علينا العمل سوية لزيادة الكفاءة والتأثير على الجمهور الآخر الذي لا يعرف حقيقة الأمور وتم استلاب وعيه!
أيمن قحف
31-1-2014 دمشق