سيريانديز
تساؤلات كثيرة طرحها الشاعر والكاتب تمام علي بركات ما زالت تثيرها مسرحية "ضوى القمر" التي عُرضت مؤخرا على مسرح "الحمرا" في دمشق، بالتعاون بين المديرية العامة للمسارح والموسيقى وشركة "غولدن لاين" للإنتاج والتوزيع الفني.
وفي زاوية صحفية لبركات قال فيها:
طبعا التساؤلات ليست من ذلك النوع الذي يطرحه العمل الفني عادة، بل من نوع أخر مختلف، تساؤلات إنتاجية وتنظيمية، إذ كيف لمديرية المسارح والموسيقى أن تشترك مع شركة إنتاج تلفزيوني خاصة مثل "غولدن لاين" وهي معروفة بإنتاجها لأعمال درامية من فئة مسلسل "صرخة روح"!؟
إن ارتباط اسم مديرية المسارح والموسيقى، مع اسم "غودن لاين" على نفس البرشور، وظهورهما معا في نشرات الأخبار الفنية، سوف يؤدي إلى نتيجتين كلتاهما ليستا في الصالح العام، فهي إما سوف فهي "أي المديرية" ستحسن من صورة "غولدن لاين" الذهنية أمام الرأي العام المحلي، وإما سوف تحطم صورة المديرية، لأن الأخيرة غير ربحية، أنُشأت وتعمل لأهداف تتعلق بتحسين مستوى المسرح في البلاد وليس لكي تربح، فكيف تشارك إذا شركة ربحية؟ فهي ليست كالمؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، أو المؤسسة العامة للسينما، فالأخيرتان تهتمان بالإنتاج، بينما المديرية هدفها توعوي بأهمية فن المسرح من خلال تشجيعه والترويج له والنهوض به،
ذاك يشبه أن تقوم مديرية التربية مثلا، بإصدار أسئلة الامتحانات العامة، بالتعاون مع مدرسة خاصة! عندها سيقول الجميع أن الأسئلة ستتسرب، وذلك ما يحدث للمسرح السوري الآن، ذاك أنه يتسرب أيضا إلى عوالم الشركات الخاصة، حيث لا تنفع معه أي صرخة روح.
الآن نقترب قليلا من العرض: ما هذا الذي دُعي الجمهور لمشاهدته؟ هل هو فعلا عرض مسرحي كما يلمح لنا البرشور بطريقتين: الأولى أن مديرية المسارح هي من يرعاه وهي عادة ترعى العروض المسرحية بالاستناد إلى اسمها وتوصيفها، وليس العروض البصرية، فهي ببساطة ليست المديرية العامة للفنون البصرية
لكن البرشور يحسم ذلك صراحة فيقول : عرض بصري!، تبقى دلالة أخرى على أنه عرض مسرحي، وهي كلمة المسرح المكتوبة عليه، كان لا بد من المشاهدة لنعرف إن كان عرضا بصريا أم مسرحيا، وكان عرضا بصريا يحدث على شاشة ترتسم عليها أخيلة وأضواء وظلال "جهاز إسقاط"، الممثلة الوحيدة من لحم ودم- أدت دورها الفنانة ميريانا معلولي-، التي تظهر في هذا العرض البصري على الخشبة وليس في الشاشة ، تظهر بهذه الطريقة: مشدودة إلى سلك ومرفوعة في الهواء، "على أساس أنها تطير" فيعبر بها السلك من يمين إلى شمال الشاشة، حسنا إذا كان ذاك الإجراء يعني أن ما شاهدناه كان عرضا مسرحيا، فسوف أدعي ان فيلم "الحدود" هو مسرحية، كل ما يجب فعله هو أن أدعو أحد ممثليه للعبور أمام الشاشة أثناء عرض الفيلم، فهل ذلك يعني أن فيلم الحدود اصبح مسرحية؟.
الآن نصل إلى الفيلم أو المسرحية وفق اعتقاد البعض ،فما يظهر في الشاشة، هو فتاة تحاكي حركة السير برفع وخفض قدميها، ثم تنسحب مع حركة الكاميرا، ومن خلفها ضفتي الشارع، ثم تدخل في نفق، وتخرج في حديقة غناء، تلمس فيها وتطارد الطيور، ثم تعود وتخرج من النفق، وتعود إلى الشارع، فتعود معها أصوات الباعة التي لا تتفق مع الشوارع ذات التصميم الغربي التي نراها، ثم تجد الفتاة نفسها في شوارع مدمرة من الحرب، وتنهال حولها القذائف، ثم عرض بعض المقاطع الوثائقية والصور الأرشيفية عن حوادث غرق السوريين في المتوسط اثناء فترة الهجرة، ماذا يعني ما سبق؟
حبذا لو ظهر المخرج أمام الشاشة ليشرح لنا ماذا يعني ذلك، فالعرض الذي يقترب بمواصفاته من عروض الأطفال، والذي لا يتجاوز ال 18 دقيقة، دُعي الجمهور إليه على أنه مسرحية، هذا طبعا بعد الشراكة مع ال "غولدن لاين" وتكاتف الجهود الإبداعية، ربما لو كانت المديرية بمفردها من رعته، لاختزل العرض إلى بضعة ثواني يظهر فيها فقط العنصر المسرحي الوحيد في العرض، الفتاة التي تحلق بالحبل من جهة إلى جهة، ربما الرد على هذا الكلام سيكون، المديرية بحاجة إلى نفقات متزايدة، فما المانع في أن تجد داعما ماليا
عندها نقول لهم: وهل وظيفة المديرية أن تبحث عن وتعثر على ممولين للمسرح؟ إذا كان الأمر كذلك، فلتحل نفسها إذا، ولتطلق على نفسها اسم، "مديرية تأمين سبونسرات المسرح"، يبقى هناك احتمال وهو أن تكون هذه الشراكة الاستراتيجية من غير تمويل، وهذا يجب أن نستبعده، فلا يعقل أن تعطي المديرية هذه المكانة لشركة خاصة، فيعتقد الناس أنها كيان مثل المديرية، له نفس المصداقية وله نفس الأهداف!، إذا كان ذلك قد وقع مجانا فلماذا تعلن لشركة خاصة وتروج اسمها بالمجان؟
ألا يكفي أن هذا الإعلان يخالف شروط الإعلان الأخلاقية، وهي أن يعرف الجمهور، أنه إعلان وليس نشاطا ثقافيا، يبقى هناك رد وحيد على ما سبق كمبرر لهذه الشراكة، وهي أن الشركة، انتجت أعمالا محلية وحافظت على هذه الصناعة المحلية في ظروف كانت تتهدد وجودها،
حسنا إذا، إن سلسلة محلات "نبيل نفيسة" للنابلسية والحلويات ، كانت أيضا تساهم في المحافظة على صناعتها الغذائية في هذه الظروف العصيبة، وتُشغّل في أفرعها الممتدة، بين المزة وجرمانا مرورا بساحة عرنوس وأماكن أخرى، مئات الأيدي العاملة الوطنية، فلتتفضل المديرية ولتشاركها إذا، الآن يظهر رد ثالث لم احسب له حساب، وهو أن "نفيسة" بعيد عن نشاطات المديرية المسرحية، لذا من المستبعد أن يجري بينه وبين المديرية تعاون ما، حسنا: من قال لكم إذا أن نشاط "غولدن لاين" قريب من نشاطاتكم؟ فلم نسمع عنها من قبل أنها انتجت مسرحية، وأيضا لم نسمع عنكم في المديرية أنكم انتجتم مسلسلا، إلا إذا كنتم قد بدأتم الآن وهذه الشراكة أولى حلقات هذا المسلسل العجيب.