كتب أيمن قحف:
كل عام وأنتم بخير، هذا عيد مختلف ليس لي وحدي وإنما لعشرات الآلاف من السوريين الذين اختاروا أن يقضوا عطلة العيد في تركيا.
عندما تسير في أحد المنتجعات بأنطاليا أو مرسين أو بودروم وحتى اسطنبول تحس أنك تسير في شوارع دمشق، فالسوريون يملؤون الأماكن ،وعشرات الطائرات من مختلف الشركات "عدا السورية" ملأت الأجواء بين دمشق والمدن التركية ، فأجنحة الشام سيرت رحلاتها إلى العديد من المقاصد السياحية في بودروم وأنطاليا واسطنبول وكانت المقاعد ممتلئة ، والطيران التركي والشركات العارضة انتهزت فرصة العيد لتحقق موسماً ذهبياً.
لماذا يذهب السوريون إلى تركيا..؟ بلا شك تملك تركيا مقومات سياحية رائعة، ولكن ما الذي جذب المواطن السوري إلى تركيا..؟
من المؤكد أن الأمر لا يتعلق فقط بالجمال أو الآثار أو البرامج المتنوعة بقدر ما يتعلق بالأجواء التي تؤمنها المنتجعات التركية، وهي خدمة غير موجودة في سورية على الإطلاق، فالبحر موجود و الطبيعة الجميلة موجودة و البرامج السياحية موجودة ولكن نفتقد ثلاث عناصر للنجاح أولها: المنتجعات وثانيها: الخدمة السياحية المحترفة، وثالثها: الأسعار المدروسة.
هنا سنكف عن انتقاد وزارة السياحة رغم أنها لا يمكن أن تكون محايدة لا في النجاح ولا في التقصير بل سنتحدث عن "أصحاب المصلحة" الذين لا يتعاملون بمنطق استراتيجي وطني بمقدار ما يتعاملون بمنطق "اضرب واهرب" والربح السريع، فالخدمة السياحية تحتاج إلى تدريب وتأهيل ولا يجوز استسهال تعيين أصحاب الأجور الأدنى ليقوموا بالخدمة السياحية ، وتحتاج لانفاق وكرم حتى نجذب السياح ، كما أن الأسعار المرتفعة تجعل الناس يفضلون تركيا على بلدهم لأن مبيت وطعام وترفيه يوم للعائلة في مكان محترم يكفي للإقامة لأيام في أرقى المنتجعات التركية.
قضيت وعائلتي عطلة العيد في منطقة بودروم السياحية الشهيرة في مجمع بالوما ياسمين
تكلفة الشخص 800 دولار في منتجع خمس نجوم مع تذكرة الطائرة، والأطفال مجاناً مع ثلاث وجبات مجاناً ، بل الأصح 24 ساعة الطعام مجاناً ومن ألف صنف وصنف، وجميع الألعاب المائية والمشاريب والإنترنت أو بعض الرحلات كلها بالمجان، ولا يحتاج المرء لصرف أي مبلغ اللهم إلا إذا أراد شراء الهدايا، وبالطبع هناك أماكن أقل كلفة إذا كانت أربع نجوم أو ثلاث أو إذا كان السفر بالبرّ، ولكن بالمحصلة يأخذ السائح في تركيا أكثر مما دفعه بكثير، وبالمقابل يكسب الاقتصاد التركي حركة مدهشة نتيجة قدوم ما يقارب 27 مليون سائح هذا العام.
وبالمقابل قضيت يوماً واحداً في منتجع و مجمع الخير في منطقة الناصرة غربي حمص
من مستوى أربع نجوم و هو بالحقيقة لا يضاهي بخدماته مستوى نجمتين ، ولكنني دفعت في يوم واحد أكثر مما دفعته في منتجع خمس نجوم في تركيا مع الفرق أنه ليس أمامي سوى وجبة إفطار فقيرة ومسبح غير نظيف، ولا أحد سوى بضعة أشخاص في المجمع الذي دفعت فيه ثمن الإفطار لأني وصلت مبكراً قليلاً وعلى الإفطار دفعت مئة ليرة ثمن عبوة مياه "يقدمون الإفطار بلا ماء"!!! وأخذوا مني ثمن الـ " باركينغ للسيارة " وكأنني لست نزيلاً أو في وسط العاصمة !!
في مجمع الخير بالكاد تجد تلفزيون للـ"ترفيه " ولا شيء آخر والوجوه مكفهرة والخطوات متثاقلة ، ولا شيء يغري بالبقاء أو العودة مجدداً ..
المقارنة هنا ضرورية لأنّ منتجع مثل الخير كلف صاحبه عشرات أو ربما مئات الملايين من الليرات لا يجوز أن يكون فارغاً في عزّ الصيف، لأنه يتمتع بإطلالة رائعة ويمكن لخدمة سياحية أفضل وأسعار أقل أن يستقطب آلاف الزوار الذين يبحثون عن الاستجمام والترفيه لو قدم برنامجاً اقتصادياً وطعاماً على نفس مبدأ المنتجعات التركية ولو زاد سعر الغرفة ..
صدقاً سألت نفسي مراراً وأنا في مجمع الخير: هل صاحب هذا المشروع مستثمر فعلاً..؟! إن المستثمر لا يترك رزقه هكذا بل يعمل ليل نهار في تنشيط منشأته !
الحال ليس أفضل لا في الشاطئ الأزرق ولا في روتانا ولا في منتجعات طرطوس أو في تدمر.
من بين الآلاف الذين يزورون تركيا هناك وزراء ومسؤولين ورجال أعمال يسعدون في الزيارة ويكتفون بالدهشة، وعندما يعودون لا يحاولون فعل شيء وبالتالي تبقى سياحتنا على حالها وتواصل السياحة التركية تطورها واستقطابها لمزيد من السوريين.
أعتقد أن على أحد ما أن يبدأ ولا بأس أن تمسك وزارة السياحة زمام المبادرة، وإذا احتاج الأمر إلى تسهيلات معينة أو معالجة مشكلات تعيق إقامة المنتجعات فلابد من معالجتها.
الأمر بسيط وليس كيمياء اسألوا: أي سوري زار تركيا عن سبب اختيارها فسيجيب بصراحة أنه السعر الطيب والكرم في الضيافة وخاصة الموائد العامرة التي لا تعود مكلفة مع هذا العدد الكبير .. والترفيه المتوفر مجاناً والخدمة المحترفة دون أن ينتظر العامل منك شيئاً .