رولا سالم
في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم وفي خضم تسارع الاحداث لا يجد الانسان متسعاً من الوقت لقراءة ما بين السطور وماهي ماهية الصراع الحقيقي على هذه الارض .
منذ القدم عمد الانسان إلى تفسير كل ما حوله على أساس صراع وجودي ،صراع يحكمه البقاء لتتشكل أول أشكال العنصرية والعبودية على هذا الاساس.
وبدأت تظهر على السطح نظريات تحاكي هذا الواقع في تفاصيله ليفضي فيما بعد إلى نظريات فلسفية في الاقتصاد وتاريخه.
لا نكاد نجد فيلسوفاً أخلاقياً كان أم وجودياً أو حتى مادياً إلا وكان لفلسفته جانباً مهماً من الفكر الاقتصادي يشرح فيه نظرته للواقع الانساني وماهي الامور التي بنت الانسان اقتصادياً وتداعياته على الشعوب فيما بعد وجعله الهاجس الوحيد لمنظومة بناء الانسان اقتصادياً قبل أن يبنى فكرياً وأخلاقياً.
من هنا نشأت فلسفة الاقتصاد وأصبح للاقتصاد كغيره من العلوم الانسانية فلسفة خاصة تغوص في جوهر هذا الفكر الذي إذا ما دققت بمكنوناته تجده سر الحروب البشرية على مر العصور بل يكاد يكون السبب الوحيد وراء دمار البشرية وتخلفها أو إعمارها وازدهارها.
هنا يقفز إلى الذهن منطق أحد عمالقة الفلاسفة الاقتصاديين (توماس مالتوس)الذي شرح نظريته الاقتصادية بطريقة سوداوية نكاد نجد فيها من إنهاء حياة البشرية مفتاح لما يحدث في عالمنا العربي قبل الغربي، وكأني بمالتوس رمى في طريق صناع القرار نظريته لتقوم عليها جميع الكوارث الاقتصادية في تصعيد واضح للعنصرية الاقتصادية من وجهة نظره؟!!
يقول مالتوس: إن الطبيعة البشرية تستعيد دوماً التوازن فتقوم بإنهاء حياة عدد كبير من الناس في لحظات في الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وفيضانات وأعاصير واشتملت الكوارث كذلك من وجهة نظره على الحروب التي تزهق أرواح الناس وقد طرح هذا الاقتصادي مالتوس عدة طرق ووسائل من أجل تحقيق هذا التوازن، فهو يرى أنه "يجب سحق الطبقات الفقيرة تماماً" والدول الغنية يجب أن تمنع مساعداتها عن الدول الفقيرة ، ويضيف:"يجب تدمير الفائض الغذائي إذا وجد وعدم إرساله لمناطق المجاعات وطبعا رفع أسعار المواد الغذائية مع التقليل من انتاجها وكذلك رفض مخططات الاسكان الشعبي منخفض التكاليف، ورفع تكاليف الاسكان لتأخير الزواج ومحاربة الزواج المبكر الذي يعطي الزوجين فرصة أكبر لإنجاب عدد أكبر من الاولاد"!!
كانت تلك النظرية التي ألقى بها مالتوس بمثابة سحب ابرة أمان لقنبلة من النظريات والفلسفات التي قامت على أسس مادية محضة.مثل الداروينية والنظرية الديالتيكية وصراع الطبقات التي كانت أساس البداية و منطلقاً لتفسير تنوع الكائنات على أساس نظرية التطور المبنية على مبدأ البقاء للأقوى، أدت نظرية مالتوس بطبيعة الحال- وقبل دارون بعشرات السنين- إلى ترسيخ أقدام العنصرية العمياء في المجتمع الأوربي الحديث ، وقد جاءت نظرية دارون لتزيد الطين بلة فنشأت أفكار وفلسفات كالنازية والفاشية تؤمن بسيادة عنصر أو عرق على باقي أعراق العالم.
لايخفى على أحد المجازر والجرائم التي ارتكبت بحق الانسانية نتيجة لهذه النظرية كتعقيم بعض العرقيات في أمريكا وتجربة الاتحاد السوفيتي التي أبادت ملايين من الناس بحجة عدم كفاية الموارد.
الآن وبعد كل ما ذكر في نظرية مالتوس ألا نرى أنه نعيش تطبيق "وصفة مالتوس" على شعوبنا العربية برعاية غربية و لتصبح سورية مركز الاختبار الأساسي لهذه النظرية؟!
أليس انتشار الارهاب وفكره الممنهج هو عصارة أفكار هذا الفيلسوف؟
إن لجوء الارهاب في بلدنا بالدرجة الأولى لتدمير بنيتنا الاقتصادية ما هو إلا انعكاس لجميع ماذكر ولو دققنا بشكل أكبر لوجدنا التطبيق العملي لهذه النظرية يسري كما كتب ويصب في بوتقة واحدة ألا وهي تدمير سوريا بشرياً واقتصادياً لإنعاش اقتصاد دول أخرى ، قتل فئة من الناس لتقتات عليها فئة أخرى وكل هذا يسمى عند مالتوس التوازن الطبيعي ولو على حساب فناء البشرية جمعاء.
نعم لقد عادت نظرية مالتوس الجديدة بمباركة شعوبنا وأنظمتنا وانعدام الأخلاق عند الساسة الغربيين،أمتنا التي اعتادت أن تكون مجرد متلقي لأفكار الغير وليس فاعلاً ومنتجاً تنفذ "بأمانة" وصفة فنائها!!