دمشق – سيريانديز
تتواصل الآراء الاقتصادية في طرح نفسها بقوة فيما يشبه التعليق على مصطلح «عقلنة الدعم» الذي طرحته الحكومة بهدف إيصال الدعم على بعض السلع والمواد لمستحقيه الفعليين، والدكتور موسى غرير الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق له رأي قد يكون مختلفاً عن الآراء التي طرحت مسبقاً، فهو يرى أن الكتلة المالية التي طرحتها الحكومة تحت مسمى «تعويض معيشي» للعاملين في الدولة والبالغة 115 مليار ليرة كتعويض عن رفع أسعار بعض السلع ومنها المشتقات النفطية، ستتسبب في خلق نوع من التضخم أسماه التضخم المتدحرج، أي ستظهر آثاره عبر الارتفاع التدريجي خلال فترات متلاحقة.
وقال الدكتور غرير في حديث لموقع سيريانديز أن هذا التضخم سينجم نتيجة أن الكتلة المالية المطروحة كتعويض تعادل كتلة السلع التي ستوفرها الحكومة، أي الإنفاق الجاري على هذه السلع، في حين لو استخدمت هذه الكتلة في مشاريع استثمارية من شأنها أن تولد فرص عمل وتنتج سلعاً بكميات وفيرة، فإن ذلك سيخلق نوعاً من الاتزان وستظهر له آثار إيجابية على المدى الطويل، لافتاً إلى أن المشكلة في القرارات التي تصدرها الحكومة تعالج مشكلة لفترة مؤقتة ينتج عنها مشكلات وأزمات إضافية على المدى الطويل، وبرأيه يجب أن تكون الحلول لمثل هذه القضايا مبينة على رؤية مستقبلية واستراتيجية طويلة الأمد.
وعن مصطلح عقلنة الدعم، فإن الدكتور غرير لا يحبذ أن يتم النظر إلى هذا المصطلح من الناحية الاقتصادية فقط، بل من وجهة نظر اجتماعية بحتة، ويقول: إن الدولة في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بحاجة إلى موارد إضافية تغطي النفقات الكبيرة التي تتحملها الخزينة، ولكن في نفس الوقت يجب أن تحافظ على مستوى معيشي لائق للمواطنين الذين تحملوا وما زالوا ويلات الأزمة وملتزمين بثباتهم الوطني، لذلك عندما تفكر الدولة بزيادة سعر سلعة ما أو تخفيضها لابد أن تأخذ بعين الاعتبار الجانبين الاجتماعي والاقتصادي معاً.
وعن مدى توفر بدائل أمام الحكومة كان ممكن أن تعتمدها بدلاً من الإجراءات الأخيرة، يرى الدكتور غرير أنه رغم الظروف القاسية التي تمر بها البلاد، كام من الممكن أن نكون أفضل حالاً مما نحن عليه اليوم، سواءً من حيث العملية الإنتاجية أو الإدارية والتنظيمية والتمويلية، ونحن عندما نتحدث في هذا الاتجاه ذلك أن مؤيدات عديدة موجودة لدينا، منها: أولاً النظام الضريبي في سورية ليس بنظام عادل، فهو يأخذ الكثير من الفقراء ولا يأخذ المترتب على الأغنياء، ثانياً عندما أتحدث عن القطاع الخاص الذي يساهم ما بين 65-70% من إجمالي كتلة الناتج، يجب أن تكون مساهمته في تمويل الموازنة العامة للدولة بمثل النسبة المذكورة، ولكن لا تتعدى مساهمته فيها أكثر من 30% في أحسن الأحوال، ويعني ذلك توفر الإمكانيات للزيادة، أما الأمر الآخر الذي تشير إليه معظم التقارير التي تصدرها مؤسسات دولية محايدة على الأغلب، يتمثل بوجود الفساد، والرشوة وغيرها، فلو تم معالجة هذه السلبيات فكان من الممكن أن تزيد الطاقة الإنتاجية وبالتي زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي توفير التمويل اللازم، وهناك مسألة في غاية الأهمية أيضاً اعتبرها الدكتور غرير أحد المؤيدات أيضاً، وهي أن كمية السلع والمنتجات التي تدخل إلى السوق المحلية بحسب تقارير التجارة الخارجية لا تتناسب مع حجم الضرائب والرسوم المستوفاة.
وقال الدكتور موسى إن الدعم يوجد حيث الحاجة إليه، فعلى سبيل المثال قطاع الزراعة وهو من القطاعات الهامة عندما يتعرض لأي كارثة مناخية فإن الدولة من واجبها أن تستمر بدعم هذا القطاع، ومن جهة أخرى ارتفاع تكاليف المنتج الزراعي في وقت ينبغي أن توصل الحكومة المنتج إلى المواطن بأسعار مقبولة أو لا تصل إلى مستوى التكلفة، وبهذا المثال يعتبر الدكتور غرير أن الدعم مهم ولكن لا توجد أية مصادر لتمويله، ومن هنا ظهر مصطلح عقلنة الدعم اي بدلاً من أن يكون مفتوحاً يجب أن يكون موجهاً للفئات الأكثر حاجة إليه أو المستحقين له، ويعود ليطرح مثالاً آخراً عن مادة المازوت أو البنزين التي تستفيد منها الفعاليات الاقتصادية أكثر من الشرائح الأخرى، لذلك يجب توفير الكميات لمن يستحقها فعلاً.
وعن مدى صعوبة إيجاد سبل وآليات لإيصال الدعم لمستحقيه، يؤكد الدكتور غير أن ذلك ليس بصعوبة في مكان، فهذا الأمر يحتاج إلى دراسات ميدانية وقاعدة بيانات شاملة عن الشرائح التي تستحق الدعم، فعلى سبيل المثال هناك مادة تستهلك بكميات كبيرة، وهنا يجب التحقق أين تذهب هذه المادة ولمن، وبناءً على النتائج استطيع أن أحدد الفئات الأكثر حاجة لها، وتستحقها فعلياً، وهذه العملية ليست صعبة، وهذا الأمر موجود في إيران، ففي فترة من الفترات شهدت أزمة أو ضغطاً على مادة البنزين، فكان الحل لتفادي هذه المشكلة وإيصال المادة لمن يستحقها أن تم منح كل مواطن لديه سيارة قسيمة بكمية محددة وبسعر محدد مدعوم، وما يزيد عن الكمية المخصصة يصبح له سعر مختلف وحسب الأسعار الرائجة عالمياًوضع سعرين لهذه المادة، سعر خاص للمواطن العادي، وسعر آخر لمواطن يختلف استهلاكه عن المواطن العادي، والسعر الآخر هو سعر التكلفة الذي لا يمكن للحكومة أن تأخذه على عاتقها وتتحمل أعباءه.