سيريانديز- اللاذقية- ياسر حيدر
أصبح شراء الثياب اليوم لأصحاب الدخل المحدود رفاهية لا يمكن تأمينها بسهولة نظراً للارتفاع الجنوني لأسعارها بما لا يتناسب مع جودتها أولاً ومع دخل المواطن ثانياً، ولوحظ في الفترة الأخيرة ازدياد أعداد المحلات التي تُعنى ببيع الألبسة الأوربية المستعملة والمعروفة محلياً باسم "البالة" في مدينة اللاذقية إلى حد كبير، ولعل أبرز أسباب هذه الظاهرة يعود للظروف الإقتصادية الخانقة وما نتج عنها من غلاء معيشي كبير ترافق بضعف في قدرة المواطن الشرائية، فانصرف الناس لتأمين الحاجات الأساسية وسد متطلبات عيشهم، لتصبح البالة الخيار الأفضل وإن كانت لم تعد متاحة للجميع كما في السابق بسبب ارتفاع الأسعار الذي طالها أيضاً، لكنها- رغم ذلك- بقيت تتربع على قائمة الحلول التي لابد منها.
ومن اللافت للانتباه ارتفاع أسعار قطع البالة، لحدٍ يفوق المتوقع في الآونة الأخيرة، ليصل سعر زوج الأحذية الى 14 ألف، والجاكيت الى عشرة ألآف ليرة سورية، ويعود السبب في ذلك الى ارتفاع الدولار واليورو من ناحية، وتدني سعر صرف الليرة السورية من ناحية أخرى، إضافة إلى ازدياد أجور المحلات، وارتفاع القيمة الضريبية في بعض أحياء المدينة، كأوتستراد الزراعة وشارع هنانو. فتجارة البالة بأصنافها العديدة تبدو مربحة على الرغم من شرائها بالكيلو، حيث يُمنع منعاً باتاً الإطلاع على محتواها أو جودتها قبل أن تتم صفقة الشراء، لتفرز بعدها القطع حسب جودتها، فتتدرج أسعارها ما بين الـ100 ليرة سورية للبالات الأميركية والـ 15 ألف ليرة سورية لنوع "الكريمه" ذات المصدر الأوروبي، والذي يُعد أفضل الأنواع وأجودها، لتكون طريقة عرضها العامل المؤثر في ارتفاع أو تدني قيمتها.
وعن مصدر الألبسة صرح مصدر فضّل عدم ذكر اسمه أنها تأتي عن طريق الترانزيت تحت تسميات مغايرة لمصطلح البالة، ثم تحول الى المناطق الحرة البرية أوالمرفئية، لتمر مرور الكرام دون تحصيل جمركي، عن طريق عملاء ذوي نفوذ. بدا واضحاً أثناء الحديث تردد الباعة بالتصريح عن المصدر أو ذكر أي وسيط خوفاً من المساءلة، مكتفين بالقول- مع ابتسامة صفراء- أنها مهربة عن طريق المنطقة الحرة أو الشريط الحدودي اللبناني. وهنا ومن الناحية القانونية لايمكن إغفال قرارات السلطات السورية بمنع استيراد البالة منذ وقت طويل لحماية الصناعة الوطنية، ولكن العمل بهذا المجال لم يتوقف، والبضائع تصل إليه بشكل مستمر. يؤكد أبو أحمد صاحب أحد محال البالة لسيريانديز أن أسباب إقبال الناس على البالة هو الأوضاع الاقتصادية المتردية فهي المصدر المرغوب للفقراء وذوي الدخل المتوسط، في ظل الإرتفاع الكبير لمعظم أسعارالألبسة الوطنية الجاهزة أو صاحبة العلامات التجارية المشهورة. من جانبها تقول السيدة هيام وهي موظفة وأم لأربعة أطفال، إنها تتردد للبالة بين الحين والآخر، لتتمكن من تلبية متطلبات أبنائها، كون أسعار الملابس الوطنية في ارتفاعٍ مستمر، لا يتناسب وحالتها المادية.
أما زهرة الشابة الحلبية الوافدة إلى اللاذقية مع عائلتها، حالها حال الكثيرين ممن غادروا منازلهم جراء الحرب المستعرة في مناطق الإشتباكات، تاركين خلفهم كل شيء، بما في ذلك ملابسهم، وباتوا يقصدون سوق البالة لتوفير حاجتهم وسد متطلباتهم، رغم تذمرهم من أسعارها المرتفعة أحيانا مقارنة بقدراتهم الشرائية. في الطرف المقابل، يتحدث السيد جعفر تاجر ومُسوق، أن إقباله لشراء الثياب المستعملة لا دخل له بالأسعار، مقدراً دخله بالمرتفع نسبياً، وإنما عزاه الى الموضة الرائجة والموديلات الجديدة نوعا ما، مؤكداً في نفس الوقت على جودتها العالية.
ولما كان الإنترنت وسيلة إعلامية ودعائية على حد سواء، اتخذ الطالب الجامعي أحمد غانم من عبارة "بالي معاك بالي بالي بالي بالي" منطلقاً لمناسبة إلكترونية على الفيسبوك للحديث عن إقباله الكبير وأصدقائه لمثل هذه المحلات، مدفوعين بتجربة شخصية، فحدثنا دون أن يجد حرجاً في التصريح عن مصدر ملابسه، بل على العكس شجع الجميع على ارتياد محلات البالة، في ظل أزمة دخلٍ خانقة يمر بها المواطنون.
وبالحديث مع أصحاب محلات الألبسة الوطنية والوكالات، أقر معظمهم بالتأثير الواضح للبالة على سير عمليات البيع، إضافة الى الجانب السلبي المتعلق بمقدار الدخل المادي، ولكن عزوا أنفسهم واصفينها بالصيحة الجديدة التي سيخمد تأثيرها مع مرور الوقت، لأن لا بديل للناس عن شراء الجديد والظهور به، خاصة في ظل المظاهر الإجتماعية المتعارف عليها، حيث تمنى معظمهم قيام الحكومة السورية بالإجراءات المناسبة لحماية حقوقهم وأفضلية وجودهم في الأسواق، لأنهم لطالما كانوا رديفاً قوياً للإقتصاد الوطني في ظل الأزمة الحالية. لم تكن البالة يوماً سوى ملجأ يقصده معظم الناس تلبية لمتطلبات أثقلت كاهلهم، فالمتطلبات اليومية باتت أصعب وفرصة الفوز بلقمة العيش غدت مسابقةً شاقة في مضمار الحياة، لتتحول البالة بدورها إلى رفاهية لا يمكن للجميع الحصول عليها.