سيريانديز - طرطوس - سعاد سليمان
عند كل صباح أراه في جهة من الحي , في زاوية أو أمام بيت يقوم بلم الاوساخ المرمية هنا وهناك دون كيس ،يلمها بيدين عاريتين من قفازين تعودنا أن نراهما ونحن أطفال في يدي العامل الذي يقوم بهذا العمل ،وكان يمر وهو يجر عربة صغيرة يجمع فيها هذه الأشياء المتروكة بغباء من أناس لا يدركون جريمة فعلتهم في تلويث الشارع والحي ، ومدى الخطر من تلوث يطال الإنسان وكل الحياة على هذه الأرض التي أعطانا الله وبأيدينا نخربها، بجهلنا ولامبالاتنا .
كل صباح اتفرج على مكنسته العجيبة من عصور بدائية .. اليوم .. اقتربت وتعجب حين ألقيت عليه السلام ..قلت : من أين أتيت بهذه المكنسة العجيبة ؟؟ قال : أصنعها بنفسي .. قلت : لماذا , ألا تعطيك البلدية أدوات العمل ؟؟ قال : مكنستهم غير صالحة للعمل .. هذه أفضل , تساعدني على جر القاذورات بدقة وألمها لأضعها في كيس من هذه الأكياس , وأشار بيده إلى كومة من أكياس صغيرة سوداء يربطها على خصره .. منظرها يدل على الاستخدام أكثر من مرة .
قلت مستغربة : وهذه الأكياس مستعملة ؟؟ قال : طبعا .. هذه أجمعها أنا لاستخدمها .. البلدية لا تعطينا إلا جزمة بلاستيكية في الصيف بينما نحتاجها في الشتاء ،وأما القفازات فمنذ زمن بطلت موضتها عندهم – قال وهو يضحك – وأما وجبة الحليب والبيض فقد تقلصت حتى وصلت إلى ثلاثين بيضة كل ثلاثة أشهر .
مضيفا : أنا أكنس كل الحارة بشوارعها لوحدي , ألم الاوساخ لتمر سيارة القمامة قبل منتصف الليل لتأخذها .. وأخذ يشرح معاناته مضيفاً : الناس هنا لا يلتزمون برمي القمامة في أوقاتها المحددة .. كل الساعات، لهم وكل الزوايا والأرصفة وأبواب البيوت .. ولي أن أعمل بكل ما أوتيت من قوة .. لدي أطفال والحاجة للناس ذل .
الغلاء يذبحنا ولا مجال إلا العمل ،لو وجدت عملا آخر لما رأيتني هنا ولما عرفتني . لم أسأله كم يتقاضى من أجر لأنني لمحت طيف دموع تتلألأ في عينيه .. أردت أن ألتقط له وللمكنسة العجيبة صورة رفض بكل اللطف الذي تحمله عيناه ولسانه، يقول أنه لا يريد أن يخرب بيته وقد تحدث عنهم .. أولئك أصحاب الخيرات الذين أعطوه هذا العمل .. لحم كتفيه النحيلتين من خيرهم .
من هنا نقول لبلدية مدينة طرطوس .. التي تعاني من قلة اليد العاملة في هذا المجال :هل وصلت بك الحال إلى هذا الحد المؤلم من الفقر الموجع أم أن الطمع وقلة الإحساس بالآخر وبأحوال الناس، وخطر الأوساخ والقاذورات المنتشرة في كل مكان تحت حجج يمكن حلها بقليل من مال، وكثير من ضمير وإحساس بالمسؤولية والواجب هو السبب .
خاصة حين نضبط الناس وأفعالهم ،ونثبت القدرة على العمل بأكمل وجه , وقد تم التمديد لمجلس بلديتكم مؤخراً دون انتخابات وبصموا لكم بالعشرة .. والبعض بالعشرين .