سيريانديز – مكتب اللاذقية – يسرى جنيدي
الزمان : التاسعة و الربع صباحا ،اليوم الثالث و العشرون من شهر ايار لعام2016 ، سيذكر التاريخ هذا اليوم المشؤوم ، يوم المجزرة الجماعية الكبرى التي حدثت في مدينة جبلة الساحلية السورية ، مدينة السلام و الأمان و المحبة والتآلف، التي تحولت في هذا اليوم إلى مدينة الموت و القتل و الإرهاب، ارتوت أرضها بدماء شهدائها الأبرياء حتى السماء استنكرت هذه الفعلة الشنعاء، فأمطرت لساعات بعدها، لأنها لم تستطع إلا البكاء على تلك الأرواح.
المكان: مركز انطلاق السيارات في جبلة ويقع على مدخل المدينة الشرقي ، هذا المركز المكتظ بمختلف أطياف أهل المدينة وقراها والنازحين الموجودين فيها، لكن الأغلبية كانت من طلاب الشهادة الإعدادية و الجامعات.
سيارة مفخخة أحالت الكراج أرض المركز إلى رمادٍ وجثثٍ متناثرة ، وكتب وحقائب طلاب محترقة.
امين حسن الشاب النشيط صاحب الكشك الموجودة داخل الكراج تحول هو واحلامه إلى حلمٍ محترق.
حسن،منى،لانا حمودة أبناء الشهيد البطل مازن حمودة وابنة عمهم سيدرة و أمهم ريم اسماعيل استبدلت رحلتهم مع أمهم إلى القرية إلى رحلة أبدية إلى جنة الخلود.
ربا أحمد مدرسة مادة التاريخ في مدرسة المتميزين في اللاذقية شابة مثابرة و ذكية حصلت على شهادة الماجستير وتحضر حالياً للدكتوراه قالت لسيريانديز: وأنا في طريقي إلى عملي شعرت بقوة هائلة تقذفني في السماء حوالي المترين و ترميني أرضاً ،التفت لأرى ما الذي حدث و إذ بكل ركاب الحافلة التي كنت فيها قد استشهدوا ، أصبت بشظايا بقدمي و يدي و رضوض لكنهم لا يعادلون جزءاً من الهلع والأسى الذي استولى علي جراء المناظر التي رأيتها و الكارثة التي ألمت بمدينتي.
بدأ الناجون من تفجير الكراج و الناس الموجودون بالقرب منه بالمساعدة في إخلاء الجرحى بسيارات الإسعاف ووسائل النقل المتوفرة، فاصطادهم انتحاري إرهابي آخر كمن لهم في مدخل مديرية الكهرباء بالمدينة المجاورة للكراج فجَّر الإرهابي نفسه فحدثت مجزرة أخرى ضاعفت عدد الشهداء ومسلخ البشر المضرج بالدم والموت .
أخذت سيارات الإسعاف تستمر في عملها بالتعاون مع المواطنين، فينتشلون الجثث و الأشلاء و المصابين و يتم نقلهم إلى مشفى جبلة ، لكن يد الإرهاب المتوحش تمتد إلى المشفى بوجود انتحاري إرهابي ثانٍ يفجر نفسه في قسم الإسعاف ليرتقي مزيد من الشهداء من أطباء و ممرضين و جرحى التفجيرات.
د.باسل القاضي طبيب الجراحة العظمية في مشفى جبلة يقول: بعد التفجير الإرهابي الذي طال قسم الإسعاف بدأنا بسحب المصابين والجرحى وإذ برجل ضخم بجانبي، نظرت إليه كان بلا عيون بلا جبهة منظر لن يفارقني أبداً، سحبنا بقية الجرحى وقمنا بالعمل استطاعتنا وحولنا الكثير منهم إلى مشافي أخرى .
دكتور محمد جنيدي طبيب الأشعة في مشفى الأسد الجامعي في اللاذقية صرح لسيريانديز :كان المنظر مروعاً أشلاء، جثث، دماء لم أر مثله أبداً، وقفت لثوانٍ مذهولاً أمام منظر موظف يخرج لينادي على أهالي الشهداء: من من أولادكم يرتدي بنطالاً أزرق ؟. أو سترة جلد، أو قميصاً نيلياً.
سؤال حياة أو موت بالنسبة لهم يدمي أهل الشهيد و يهدئ لثوانٍ الخوف عند باقي الأهالي، لكن هذا الخوف يعود مع السؤال التالي فيزداد الصراخ والدموع والألم والشهداء، قمنا بما نستطيع من عمل كأطباء، إنها فاجعة كبرى ألمت بسوريا الحبيبة .
عند الذهاب إلى مشفى تشرين الجامعي أيضاً، كان هناك العديد من الجرحى والشهداء، لكن المنظر الذي سيبقى محفوراً في الذاكرة طفل في التاسعة من العمر تقريباً يمسك بيد والده الشهيد وأخته التي أصيبت في رأسها وعينيها، يصرخ :أدعى محمد حسن أريد أبي أريد أن أرى عيني أختي .
يتفاوت في هذا المصاب مقدار الحزن والألم، لكن السؤال الوحيد الذي يحير الجميع هو : ما ذنب الأبرياء ؟ أم إنه تعطش الإرهاب للدماء !!