سيريانديز- مكتب اللاذقية- رشا ريّا
قيل : كم من صائمٍ ليس له من صيامه إلا الظمأ ، كم تنطبق هذه العبارة على واقع الحال , ففي بلدي حلّ الضيف الكريم بلا حفاوة تذكر عند البعض ، أو كما يقال (عالسكيت ), إذ يجاهر هذا البعض بعدم الصيام , ولكلٍ دوافعه ، لكن المبرر الأبرز كما يقولون أنهم لا يريدون الكذب على الله، فصيام رمضان وحسب المتعارف عليه إنما هو للإحساس بجوع الفقير والمحتاج, هكذا كان ولكن جلباب التقوى تغير عند كثيرين ، وأضحت طقوس رمضان تقتصر على مسلسلات بمشاهد (جريئة) إن صح القول, وموائد عامرة في بيوت الميسورين ولو لم يكونوا صائمين , فأين نحن من الاحساس بجوع الآخرين؟
وقد يبدو البعض وكأنه في موسم تجارة ، ولا مانع من أن يكون الربح من الله ، ولسان الحال هنا يقول : سأصوم لك مقابل كذا , وإذا قلت لأحدهم صباح الخير يكون جوابه: صباح النور، اللهم إني صائم, كيف حالك؟ وعلى عبثية الحوار المفترض هذا إلا أنه يُلخص واقع الحال, الصيام والقيام أصبح افتراضياً ، كما كل حياتنا ، فمن لم يكتب شيئاً على مواقع التواصل الاجتماعي عن شهر رمضان اكتفى بكتابة منشور يوضح فيه أنه لم يكتب ، ومن صام الشهر الفضيل لم يتبقى عليه إلا أن يستأجر طائرة تخط على وجه السماء (فلان ابن فلان صائم يا ناس)
بعيداً عن كل هذا الضجيج، يتابع الفقراء صيامهم الأبدي, فرمضانهم يمتد لاثني عشر شهراً، متخمين بوعود الثواب، ففي بلادي هناك من الصائمين من كان ثواب صيامهم كافياً لغفران خطايانا جميعاً , وفيها أيضاً فقراء ويتامى وثكالى يصومون , في بلادي يصوم الأب في كل يوم منذ سنتين علَّ الإبن الحبيب المفقود يعود من الغياب, وفي بلادي مازال هناك من يناجي ربّه حُبّاً لا خيفةً ، ويصوم عن الكره والنفاق وأكل أموال المساكين , مازال في بلادي من يصوم عن القتل والاقتتال والترهيب ، مازال فيها من يفطر على القليل من الرّضا ، ومن يدري إن كان باستطاعته بعد هذه القفزة الجنونية للأسعار أن يؤَّمِن هذا القليل حتى, أو على الأقل أن يُبقي على رضاه وحمده!
لم يعد أمام العديد من المواطنين عند سؤالهم عن رمضان وطقوسه سوى الإجابة : صايمين طبيعي صرنا , فبين من لا يزال يحترم قدسية هذا الشهر وبين من تغيرت أفكاره يبقى للصيام تاريخٌ موغل في القدم (منذ أيام الفراعنة المصريين), وليس فرضاً دينياً وحسب لكن هل بقي من جوهر الصيام شيء في هذا الزمن؟