سيريانديز- مكتب اللاذقية- رشا ريّا
في دفاعه عن الجنون لم يستطع ممدوح عدوان إلا أن يُثني على جنون لؤي كيالي الإنسان لا التشكيلي, أدرك لؤي قبل أن يحترق جنوناً أن هذا الوطن (غرفة بملايين الجدران) و أن البلاد هذه البلاد (أضيق من الحب).. صرخ وعدوان و الماغوط إلى جانب سعد الله ونوس (الفيل يا ملك الزمان), لكن الجموع تركتهم وحيدين, انتهوا منفيين روحياً ومحترقين بكبريت الأسى والخذلان
.
سبع سنوات عجاف بين 67-1973 كان فيها لؤي كيالي غارقاً بكليته في جنونه الذي كُنا سببه فكما يرى عدوان (لؤي لم يعد يطيقنا) لذلك جُن.. سبع سنوات احتاجها لينهض من خيبته فينا بعد النكسة, سبع سنوات الرقم الرمز ولا مصادفات مع لؤي كيالي, فلو انبثق اليوم من جديد من رماد مرسمه أراهن أنه كان سيضرم النار فينا عوضاً عن لوحاته, ألم يضعنا منذ عام 1965 في لوحته (ثم ماذا؟) وجهاً لوجه مع السواد؟ ألم يتنبأ بابتهالاتنا الحالية, بنظراتنا المشدودة لسماء ما عادت تمطر إلا حرائقاً علينا كسوريين.
غدونا بعد 51 سنة على لوحته كشخوصه ذات البنية الضخمة القوية المجبولة باليأس, المكبلة اليدين العاجزة حتى عن مواساة بعضها, نقف كسوريين متشحين بالسواد تلتقط صورنا البائسة كاميرات العالم كله, خلفنا وطن ذو لون أصفر, أليس الأصفر معروفاً بصحبته والموت؟ أليست ورود المقابر صفراء؟ أوليس الأصفر المائل للعفونة لون الطاعون؟.
في اللوحة قبل 51سنة كما في الوطن اليوم نساء ثكالى لا يحصى لهن عدد وأطفال مربكون يمشون بأقدام حافية, يوم أمس مررت بلوحاته في طريقي إلى العمل وقد دبت بها الحياة, وقد استحالت عشرات النسخ.. باعة لؤي المتجولون ماعادوا زيتاً على خشب أو قماش, يستوقف أي سوري اليوم عشرات الأطفال الباعة في الشوارع والمقاهي, بائع العلكة, بائع الزهور, بائع الذرة, كلهم نهضوا من مرسم كيالي واندفعوا في شوارع الوطن.
مابين 1972و1974، حملت عدة لوحات لكيالي عنوان بائع العلكة, طفل صغير ذو ملامح ما عادت غريبة على السوريين, ملامح يكتسحها القهر, لوحات لؤي دبت بها حياة كم تشبه الموت حرقاً .
دفع لؤي كيالي ثمن استشرافه (تنبؤه) من أعصابه وعقله ودفعنا ثمن تجاهلنا من الألوان في وطننا, فأصبح وطن الأصفر والأسود.