رسام محمد
لا يأتي اضطراد الإصابة بالاضطرابات المزاجية (الاكتئاب ) والعصابية (القلق) على أنها حالة بطر اجتماعية بقدر ما هي نتيجة حتمية ومتوقعة لمجتمع يعيش الحرب وفصولها على مدار ست سنوات وربما يزيد، ليتحول الجميع إلى متضرر ومشروع ضحية مادية أو بشرية.؟!
في ظروف كارثية ضربت أطنابها في قلب ومحيط كل أسرة شاعت المواجع النفسية التي تتطلب إسعافاً ودعماً معنوياً ، وبات الاعتراف بها واقعاً جديداً لابد من التعامل معه بشفافية واتخاذ إجراءات حياله، لتحل العيادة النفسية في كل المشافي الحكومية ضرورة تتيح للمواطنين ممن لا تمكنهم ظروفهم المادية من زيارة الطبيب النفسي الذي يكلف أرقاماً لا طاقة للمتضررين بها ولها،
ومع محاولات زرع أفكار توعوية تلغي مفهوم تقليدي “العيادة ليست للمجانين” كما درج القول على ألسنة البعض، في وقت يسود الاعتقاد بأن الأدوية النفسية تسبب الإدمان وهذا ما ليس صحيحاً، يزداد الطلب على أودية الاكتئاب والمهدئات من دون وصفة طبية _بحسب بعض الصيادلة_ ليتحول إلى أمر يدعو إلى التوقف والتحرك لنشر التوعية لدى الأفراد عبر وسائل الإعلام والتي يقع على عاتقها أيضاً تثقيف الناس للتخلص من وصمة المرض النفسي كأمر مستهجناً تجعل من يعاني مشكلة نفسية يلجأ إلى الصيدلاني أو زيارة سرية لعيادة الطبيب النفسي.؟
الواقع الجديد يقول إنه لا يمكن التفكير بمرحلة الإعمار إلا بمعناها الشامل وأول خطواتها هي إعمار الإنسان وترميم ما خلفته الحرب لديه من آثار نفسية قاسية تجعل من الطبيب النفسي مرادفاً حيوياً وموازياً لإعادة بناء ما تهدم من بيوت ومدارس ومصانع وغيره،
ورغم ذلك تعاني المشافي الحكومية صعوبة استقطاب الأطباء النفسيين الذين لا يزيد عددهم على الـ 65 طبيباً، وإذا قلنا إن عدداً من هؤلاء قد هاجر وبعضهم يفضل العمل مع المنظمات الدولية بأجورها المرتفعة قياسا بالمشافي الحكومية التي يتلقى فيها الطبيب أجراً زهيداً أي حوالي الـ 50 ألف ليرة فإن على الجهات المسؤولة ممثلة بوزارة الصحة والتعليم العالي أن تسعى لتحسين واقع الأطباء واستقطابهم عبر دعمهم وتسهيل عملهم.
وهنا حري بكليات الطب التي يتوجه معظم طلابها نحو الاختصاصات كالقلبية والجراحة والهضمية وغيرها وندرة من يتوجه نحو الاختصاص النفسي، أن ترسم سياسة جديدة لرفد المشافي والعيادات بحاجتها المتصاعدة من هذا الاختصاص ورفع مستوى الخريجين، لأن بلادا عاشت حربا كونية وامتدت ليصبح فيها كل سوري في مرمى المعاناة، لابد لها من دعم وإغاثة نفسية يخرج من أصيب وعانى وتألم من حضيض الوجع.