سيريانديز- سمر عثمان
خلف ضحكاتهم ونظراتهم كابوس قاهر يسرق منهم حق الطفولة وهو التشرد، لم يرو من جمال الحياة إلا الركض وراء السيارت والمارة، لا يعرفون سوى الاستيقاظ في باكورة كل صباح ليمارسوا أعمالهم في بيع المناديل الورقية ومسح زجاج السيارات والتسول ليعودوا في المساء بجسد مثقل بالتعب والإرهاق، تصمت الكلمات عن الوصف عند سماعهم يتحدثون فهم رجال بأجساد صغيرة.
هل سألت نفسك يوماً إن كان أحداً لا يعرف ما هي المدرسة؟ وهل هنالك طفل ليس لديه حلم؟.
من هنا بدأت انطلاقة مبادرة "سيار للبلد التطوعية" وهي أول مبادرة تنطلق من أجل الأطفال المشردين، بعد ملاحظة تفاقم ظاهرة انتشار هؤلاء الأطفال بشكل كبير، وللإيمان أولاً بأنهم بشر، وثانياً أنهم أطفال سورية، والتي تهدف لتغيير حقيقي بمسيرة حياة الأطفال القادمة وليس للتأثير فيهم فقط.
قالت إحدى مؤسسات المبادرة السيدة لمى نحاس: "بدءنا باستقطاب الأطفال والتقرب منهم في الحدائق بتقديم الهدايا ومصادقتهم, وهم لا يدركون أن السرقة والعنف والشتم هي أمور سيئة بل أمور طبيعية بالنسبة لهم، وأغلبهم أطفال بلا قيود، وبعد الحدائق خصص لنا مشروع مسار صفوف، ونحن اليوم بالمراكز الثقافية".
وأضافت نحاس: إنهم لم يعمدوا لبرنامج محدد لخاصة حالات الأطفال، فالمنهاج قائم على أربع محاور بما يتوافق مع حاجات الطفل، هي التعليم لمحاولة تأهيلهم لدخولهم المدارس، والتنشيط والتوعية لتجنيبهم المخاطر التي تواجههم في الشارع، والعلاج بالفن.
واستكمالاً لأهداف المبادرة، أكدت نحاس أنه من المقرر التوسع في أربع مدن (طرطوس وحلب وحمص واللاذقية) مع التريث لعدم وجود دعم مادي كافي ولأن الدعم فقط معنوي المرافق لهذه المبادرة، وإنهم يحاولون مع وزارة الشؤون تفعيل قوانين خاصة ضد التسول.
ومن جهتها المسؤولة عن برنامج العلاج بالفن سامية نحاس قالت: "بالرسم استطيع أن أستشف حاجات هؤلاء الأطفال فأغلب الرسوم قريبة لبعضها لوجودهم في بيئة واحدة، فرسومهم يغلب عليها شكل قلب ما يدل على النقص العاطفي الشديد".
وأكدت إحدى المتطوعات وهي رئيسة جمعية أصدقاء دمشقأمل محاسن أن/ سيار/ عبارة عن جسر عبور للطفل ليشعر بطفولته وكينونيته وبرائته وإنسانيته، والخطوة الثانية ستكون العمل مع أهالي الأطفال.
وأشارت محاسن إلى ضرورة تعاون كل الأيادي والوزارات المعنية بهذه الظاهرة، لأن هؤلاء الأطفال هم عبارة عن قنبلة موقوتة.
وبعد هذه المبادرة أصبح لأطفال الشوارع حلم يسعون لتحقيقه، فالطفل أحمد عباس ذو العشرة أعوام يبيع المصاحف الصغيرة بساحة المطاعم في حي أبو رمانة ، وعن طموح أحمد قال: "أنه يريد أن يصبح طبيب أسنان".
الطفل يوسف ابن التاسعة، يمسح زجاج السيارات عند إشارات المرور قال: "أنه يريد أن يصبح "خواجا" الخواجا في نظره هو الشخص الذي يملك سيارات كثيرة ومطعم، ومصروفه اليومي مايقارب 1500 ليرة سورية".
الطفلة سوزان تبيع المحارم في شارع الثورة، وهي من أسرة توارثت التسول كمهنة لها وعن حضورها للمبادرة قالت: "انها أتت لتتعلم القراءة والكتابة والرسم والتلوين، وعبرت عن فرحها برسم عيون كبيرة لأختها الوحيدة التي كانت شبه عمياء وأبصرت من جديد، بعد تقديم الدعم من قبل الفريق لإعادة النظر للطفلة".
أحمد خالد طفل ذو أربعة عشر عاماً رب الأسرة بعد وفاة والده، يبيع البسكويت في الصباح ويعود إلى بيته في منطقة الجديدة ليكمل عمله حتى المساء، وقال أحمد: "الحمل أصبح ثقيل فلدي أخان صغيران لا استطيع أن اتركهما أريد أن يكملا تعليمهما ووالدتي لا تعمل، فأنا سيد المنزل"، ولديه قيد نظامي ومن حقه التعلم لكن الحرب على سورية أفقدته حق طفولته
كل طفل سوري إما أن يكون أمل لغد مشرق، أو دمار هذا الغد، إنهم ليسوا هامشاً في حياتنا إنهم مستقبل يعيش على هذه الأرض، لابد أن يوجد لهم قيود وتخصص لهم أماكن بالمدارس للتدريس وفرز مدرسين متخصصين، ووضعهم بدور مخصصة لتأمينهم وإعادة تأهيلهم من خلال معالجين نفسيين متخصصين في هذه الحالات، برسم المعنيين.
مديرية الخدمات الإجتماعية في وزارة الشؤون الإجتماعية ميساء ميداني أكدت أن جزءاً من هؤلاء الأطفال عوز اجتماعي والأخر عمالة أطفال أو إمتهان تسول، وإن اهتمام الوزارة منصب على حالات العوز الإجتماعي، وسخرت مجموعة من الأدوات كمراكز متخصصة لرعاية الأطفال، ودورات للعمل على التوعية لكيفية التعامل مع هذه الحالات،
أما فيما يخص الإعداد فلا تثبت عند حد معين حيث إنهم لا يقيمون بشكل دائم في دار المتسولين الكائن في منطقة الكسوة، فتتراوح أعدادهم خلال الستة شهور الأخيرة بين 15- 25 طفل فقط وهذا قليل بالنسبة لانتشارهم الهائل
واضافت: يتم التجهيز حاليا لاستخدام معهد التربية الخاصة للإعاقة الذهنية بقدسيا كدار لرعاية المتشردين والمتسولين ، وافتتاح دار خاص للفتيات تابع للوزارة في منطقة باب مصلى بالتعاون مع جمعية حقوق الأطفال، والحد من ظاهرة التشرد مهمة بالغة الصعوبة، والتصدي لها هو عمل جماعي.