خاص- سييريانديز- مودة بحاح
قرر محمد انهاء اختصاصه في دمشق على الفور بمجرد حصوله على التأشيرة الألمانية، حاسماً أمره بالاتجاه نحو هذا البلد الأوروبي للبحث عن فرصة جديدة، ومستقبل قد يكون أكثر إشراقاً مما هو عليه الحال في بلده.
تخرج محمد عام 2015، والتحق بأحد اختصاصات قسم الداخلية في مشفى الكتهد التابع لوزارة الصحة، هناك أمضى حوالي الستة أشهر يصفها بالمتعبة بسبب الضغط الكبير، والمفيدة في الوقت نفسه نظراً لكثرة الحالات التي اطلع عليها.
ويتابع محمد بأنه في بداية التحاقه بكلية الطب –أي قبل الأزمة- كان يخطط لمتابعة اختصاصه في أميركا، وبدأ العمل على تحسين لغته الانكليزية منذ سنوات الجامعية الأولى، ولكن الحرب غيرت كل المخططات وبات الطريق نحو أميركا ليس بالسهل، فمن ناحية أصبح الحصول على الموافقات عسيراً، ومن ناحية أخرى تحتاج الدراسة في تلك القارة لكثير من الوقت لتعديل الشهادة والالتحاق بالمشفى ومن ثم البدء بالحصول على دخل، وهذه المراحل مختصرة في ألمانيا خاصة قبل حوالي العامين إذ كانت المشافي تقبل بالطبيب السوري مباشرة دون الاهتمام بمستوى لغته، ولكن اليوم وبسبب الإقبال الشديد من السوريين على ألمانيا، أصبح هناك العراقيل وباتت اللغة شرط أساسي للعمل.
وعن الأسباب التي دفعته للسفر رغم عدم اضطراره لتأدية خدمة العلم باعتبار أنه شاب وحيد في عائلته، يوضح محمد بأن الوضع الاقتصادي في سورية ودخل المواطن لم يعد مقبولاً، ولا يوجد أفق في الوقت الحالي، فراتب طالب الدراسات بحدود الثلاثين ألف ليرة سورية، وفي حال تمكن من العمل بأحد المشافي الخاصة –وهو أمر صعب قليلاً بسبب ضغط الدوام- فأجور هذه المشافي ليست بأفضل حال فهي تخصص مئة ليرة لكل ساعة داوم بحسب ما اطلع قبل السفر
ويضيف محمد بأنه في حال رغب مستقبلاً بعد التخرج بشراء عيادة خاصة له فالأسعار مرتفعة جداً، وهو أمر ليس بالسهل، كما أن هذه العيادة لن تحقق دخل يساعد في تغطية مصاريف الحياة أو في تطوير العمل، ويرى محمد أن المبلغ الذي سينفقه خلال فترة سفره أقل من ثمن العقار التجاري.
ويختم بأنه حينما التحق بالاختصاص كان يعلم أن عدد لابأس به من الطلاب يفكر بالسفر، وكذلك الحال بالنسبة لزملائه خلال الدراسة، فالغالبية العظمى اختاروا السفر وخاصة باتجاه ألمانيا التي فتحت باب الهجرة أمام الأطباء السوريين بشكل كبير ما بين عامي 2014-2015.
وهذه الفرصة استغلها الدكتور شاهين الكردي، وانقطع بشكل مفاجئ عن الاختصاص رغم انجازه لعامين ونصف العام، ولكن إغراء السفر كان أكبر من متابعة الدراسة في دمشق، خاصة وأن غالبية خريجي الطب –كما يذكر- يميلون للسفر لعدم قدرتهم على منافسة الأسماء الكبيرة في البلد، وأيضاً لعدم قدرتهم على تأسيس عيادتهم الخاصة أو مركزهم الطبي، والأمر في حالته كان أصعب لأنه اختار قسم الأشعة وهو قسم بات مكلف جداً فأسعار الأجهزة خيالية ولا يمكن تأمينها بسهولة.
ويشرح شاهين أنه كان يخطط في السابق للسفر لفترة معينة ينهي فيها اختصاصه ثم يعود بعد تأمين مبلغ من المال، ولكن مشاريعه اليوم قد تأخذ منحى مختلف في حال استمرار تدهور الأوضاع في بلده.
السفر طال المدرسين أيضاً:
لا يخفى على أحد أن واحدة من أبرز سلبيات الأزمة في سورية كانت هجرت عدد لا بأس به من الأطباء سواء ممن كانوا يملكون تاريخ طويل في المهنة أو من الخريجين الجدد، ويوضح الدكتور حمود حامد عميد كلية الطب البشري في دمشق، أنه في حال استمرار الوضع كما هو وفي حال عدم عودة هؤلاء الشباب بعد الاختصاص في الخارج سيكون هناك مشكلة في المستقبل، وقد تعاني البلاد من نقص في الكوادر الطبية، وتتابع المصادر بأنه في بداية الأزمة سافر عدد من الأطباء المُدرسين في كلية الطب البشري والمشافي التابعة لها، وقُدر عددهم بـ104 دكتور عاد منهم عدد قليل، وشكل غيابهم عبء على العملية التدريسية تم تلافيه بمضاعفة عمل الكادر المتبقي، وبقبول أطباء مدرسين من خارج ملاك الجامعة.
ولا يقتصر السفر على من أنهى الاختصاص أو التحق به إذ أن عدد من الطلاب يسافرون بعد اتمام سنوات الطب الستة وقبل الالتحاق بالاختصاص، ولتخفيف هذه الظاهرة قررت الجامعة زيادة أعداد المقبولين في الاختصاص، بحسب ما ذكر الدكتور حامد، وفُتح الباب لدخول كافة الاختصاصات، كما قررت الجامعة فتح باب القبول بالدكتوراه لخريجي الماجستير، وقبلت حتى الآن 40 طالب، وهو رقم يعادل عشر أضعاف الرقم المسجل في العام الماضي، كما سيُمنح خريجي الدكتوراه فرصة للانضمام إلى الهيئة التدريسية.