سيريانديز- كتب نضال كرم
هل اختلف الخطاب الحكومي شكلاً ومضموناً / أي لجهة الأقوال والتصريحات واللغة المستخدمة ومضموناً من حيث الأسلوب وإعمال الأدوات والتنفيذ /.. بعد ستة أعوام من الحرب الشعواء عنه قبل الحرب ؟
إذا كان ثمة قناعة بأن نتائج الحرب انعكست بشكل مباشر ومُفجِع على كل إنسان سوري حتى تخطَّى معدل من هم يعيشون مجازاً تحت خط الفقر نسبة 30% فلماذا لم نشهد هذه النتائج على أصحاب المناصب في سورية ومُحدَثي النعمة وتُجَّار الحرب وانحصرت على مستوى الشعب فقط ؟ وهل هناك أوضح من تمييز هؤلاء عن أولئك في ظل هذه الظروف الاقتصادية التي عصفت بأرواح الفقراء فقط ؟! من تراه يصدّق أن النسبة 30 % فقط ؟!
ما الذي قدَّمته الحكومة الحالية، والسابقة، للتخفيف من وطأة الحرب عن كاهل الإنسان السوري الذي تشبَّثَ بأرضه و وطنه ولم يغادر ؟ وهل يمكن تصنيف بعض القرارات والإجراءات والتقصير الحاصل والمشهود إلا في خانة اتباع سياسة التطفيش حتى بات الإنسان السوري شبه مُتيقّن أنهم إنما يريدونه لاجئاً في وطنه؟
إن كان الفحش في الغنى يجعل من الإنسان مواطناً فكم يبلغ عدد المواطنين في سورية وكيف يتم تصنيف من هم تحت خط الفقر بمائة درجة ولن نزيد انحداراً ؟ والجميع يدرك أن المواطنة لها معايير أسمى ولن يبلغها إلا كل ذي شرف، ماذا بشأن الإنسان ؟!
أين هم عُتاة الاقتصاد وجهابذته الذين كانوا يتحفون المواطن بنظرياتهم والتي لم تأتِ أُكُلها إلا في حدودهم هُمْ، وما حَمَتْ إلا مصالحهم وأبناءهم، ليبقَوا بعيدين عن الحاجة والعوز وقلة الموارد وسوء الخدمات، فإما حملوا حقائبهم وسافروا، أو دبَّروا رؤوسهم وانتبذوا قصورهم يتنعّمون بما جنته أيديهم خلال فترات تولّيهم مناصبهم، أو استمروا في تجاراتهم وهم يرددون : هل من مزيد ؟ وهل يختلف الحال عمَّن يستلم حالياً حقائب وزارية تمسُّ شهيق وزفير الإنسان السوري فتكاد السياسات تنهيهما ؟
ما نسبة السخط الشعبي / ولن نقول مطلقاً الرضا / عن السياسات الحكومية ؟ وعن الأداء الفعلي لوزراء كان اعتبارهم لأمر تولّيهم لمناصبهم على أنها امتيازات يستحقونها، ولم يحسبوا ولم يتصرفوا على أن الأمر مسؤوليات أُنيطتْ بهم ؟
كلٌّ يستوعب بأن من يخرج ليلقي بتصريحاته الجوفاء والمدوَّرة من المسؤولين لا يقارب حقيقة الأزمات إنما يحاول أن يلقي بها من خلال تصريحاته في قاع أسود، ويدرك بأن الناس، كل الناس، لا تنطلي عليهم ولا تقنعهم تلك التبريرات السخيفة والتفسيرات الساذجة عن التقصير الحاصل والتلاعب الجاري في تأمين أبسط حقوقهم، والذين لم يُنظَر إليهم وما عوملوا إلا على أنهم رُعاع ولا يستحقون ما يُمنَحون وكأن في الأمر مِنّة وفضل ؟ وزادوا في الأمر صفاقة أنْ نكّلوا بأوجاع الإنسان الفقير الـمُعدَم بقرارات تخنقه وسياسات تعذّبه وافتعلوا أمراض الحواس لكي يصمّوا آذانهم عن كل ما يجري في الشارع وفي أروقة مواقع التواصل الاجتماعي، وإلا فكيف نفسّر حالة افتقاد الأمل الشائعة والمتزايدة لدى السواد الأعظم من الناس ؟ .
نداءات تتوالى بالظهور و دعوات تُوجَّه إلى شعب يعاني قسوة الطبيعة و جور الحرب ونتائج الحصار الاقتصادي وسياسات حكومية فاشلة لا تبتعد عنها تلك التي تتعلق وتنادي بترشيد الطاقة والتي لا تصل إلى المواطن إلا في حدودها الدنيا وبأقسى الطرق وأكثرها ذلاً ومهانة في حين يتنعَّم أولو الشأن بوفر وخيرات وميزات لا تخفى على كل رائي .
ساحات الحرب لجيش مقاتل مقدام لم يوازيها وجود فعلي لساحات أخرى موجودة أصلاً ما قبل قبل الحرب، هي وزارات أُنيطتْ بها مهام تقديم الخدمات لبشر وُجِدوا على هذه الأرض وصبروا على مُلمّات ما يتعرض له الوطن فكان عقابهم أن صبروا وكان جزاؤهم أن يُحرموا من أبسط الحقوق، لماذا لم يعتبر القائمون على مناصبهم في هذه الوزارات أنهم كالجنود المحاربين ؟ ولماذا بقيت السياسات على حالها لا بل تراجعت وكأن لا حرب تدور رحاها في الوطن ؟ هل تعنيهم هذه الحرب التي لم تقع إلا على رؤوس العباد أما هم فنائمون في العسل أو منهمكون في سلخ جلود الصابرين .
ولأن منظومة الفساد لم تُبقِ ولم تذر، ولأنها امتدت أفقياً وعمودياً في مجتمع بات مستباحاً من قبل كل صاحب خبرة وماضٍ في الفساد ومن مُحدَثي النعمة أيضاً الذين طفوا على السطح خلال فترة الحرب، فلماذا لا يتم تشكيل هيئة عليا لمكافحة الفساد لأنه شكل من أشكال الإرهاب ويأكل خيرات البلد وأرواح مواطنيها، على أن يُعهَد للموثوق بهم 100 % لجهة النزاهة والشرف والأمانة والأخلاق أن ترتب الطرق اللازمة للبدء في تنفيذ عمل هذه الهيئة بشكل سري كامل، بحيث تتناول كافة الشرائح وفي مختلف القطاعات وعلى جميع المستويات العليا والدنيا، وتبدأ بمحاسبتها ومحاكمتها وفق القانون ليكون الأمر في النهاية رادعاً ومباشراً في حل هذه القضية التي أتت على حياة الناس وتكاد تفنيها ؟ وعلى أن يُستبعَد في تشكيلها أجهزة الرقابة الحالية أيضاً .