سيريانديز
بينت مصادر مسؤولة في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بأن إجمالي الصادرات بحسب البيانات الجمركية للعام الماضي (2017) تقدر بنحو 700 مليون دولار أميركي، أي بزيادة نحو 40 مليون دولار عن العام السابق (2016) حيث بلغت نحو 660 مليون دولار، (علماً بأنه كان نحو 9 مليارات دولار عام 2010)، لتحقق بذلك نمواً للعام الثاني على التوالي، لكن مع تعارض واضح مع تقديرات اتحاد المصدرين السوري الذي توقع وصول قيمة الصادرات الى 5 مليارات دولار أميركي، على اعتبار أن القيم الحقيقية أعلى من الرسمية بعدة أضعاف. ومبرر ذلك عدم الافصاح عن القيم الحقيقية للصادرات كما هو معروف.
علماً بأن رئيس الحكومة كشف عن بلوغ مستوردات المواد الأولية عام 2017 نحو 3.7 مليارات دولار وذلك خلال لقائه مديري المؤسسات الاقتصادية الأسبوع الماضي، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية أكد في عدة تصريحات سابقة بأن مستوردات المواد الأولية تزيد على 70 بالمئة من إجمالي المستوردات، وقياساً على ذلك يمكن استنتاج تقديرات لإجمالي المستوردات ضمن نطاق بين 4.6 إلى 4.8 مليارات (على اعتبار النسبية بين 70 إلى 75%).
إن بيانات الاقتصاد التي حصلت «الوطن» على نسخة مفصلة عنها سابقاً، تفيد بأن الصادرات انخفضت خلال الحرب (بين الفترة 2011 و2017) بنحو 90 بالمئة والواردات بنحو 80 بالمئة، وبأن وسطي نسبة تغطية الصادرات للواردات في تلك الفترة تبلغ نحو 28 بالمئة فقط (بينما كانت تزيد على 70 بالمئة عام 2010).
أبعد من الخبر
تسعى الحكومة بشكل جاد إلى دعم قطاع التصدير بعد 8 سنوات من عمر الحرب على سورية، وخاصة أنها أقرّت الحكومة الخطة الوطنية للتصدير من جهة الواقع الحالي والرؤية والأهداف والمشكلات والحلول أمس الأول، الأمر الذي يبدو محقاً، من الناحية المنطقية، فأي اقتصاد يسعى إلى النمو، ومن ثم يحتاج لأن يكون بلداً مصدراً بالدرجة الأولى، لكن؛ هل هناك إمكانية واقعية لدعم قطاع التصدير والاعتماد عليه في تحفيز النمو الاقتصادي؟
في هذا السياق، رجعت «الوطن» إلى بيانات التجارة الخارجية لـ12 عاماً قبيل اندلاع الحرب على سورية، التي ينشرها المكتب المركزي للإحصاء، وأجرت دراسة بسيطة، لحال التجارة الخارجية قبل الحرب، للوقوف على حقيقة وجود إمكانية واقعية للاعتماد على التصدير ودعمه، في ذلك الوقت، ليكون هناك إمكانية واقعية بعد أن غيرت الحرب طبيعة الاقتصاد، علماً بأن لا بيانات اقتصادية متوافرة بشكل دقيق خلال الحرب، وخاصة عن إجمالي الناتج المحلي، ما يعوق تطبيق المؤشرات على بيانات التجارة الخارجية المتوافرة.
تجارة تحت الضغوط
تعرّض قطاع التجارة والخارجية لصدمة كبيرة إثر الانفتاح التجاري مع العام 2004، إذ أدت إلى ازدياد معدلات الاستيراد بأعلى من الصادرات، التي يعول عليها عادة في دعم النمو الاقتصادي، فدخل الاقتصاد السوري في عجز في الميزان التجاري، وأخذ هذا العجز بالتزايد عاماً بعد عام، من العام 2004، فالعجز الذي كان يشكل 3.65 بالمئة من الناتج المحلي عام 2004 أصبح يشكل 15.63بالمئة عام 2011، وهذا يعني أن زيادة الواردات على الصادرات كان سبباً رئيساً لتقليص الناتج، ومن ثم ازداد الأثر السلبي للعجز التجاري في النمو الاقتصادي.
لم يكن أثر سياسة الانفتاح التجاري سلبياً على الناتج والنمو الاقتصادي فقط، بل شمل أكثر من مؤشر في الاقتصاد الكلي، فتغطية الصادرات للواردات قبل العام 2004، كانت تسجل فائضاً (تزيد على 100%)، ما ساهم بتعزيز قيمة الليرة السورية، على حين تراجعت معدلات التغطية دون 100 بالمئة مع العام 2004 وانخفضت تدريجياً، إلى 70% عام 2010 وإلى 50% تقريباً في العام 2011، ما يعني زيادة الضغوط على الليرة.
يظهر الميزان التجاري السوري، من حيث طبيعة المواد المصدرة والمستوردة، اعتماد الاقتصاد على قطاع النفط قبل العام 2007 حيث بدأ العجز يظهر في الميزان النفطي، والزراعة، مع أهمية أقل للصناعة، رغم زيادة تصدير السلع الاستهلاكية وانخفاض نسبي في تصدير المواد نصف المصنعة، إلا أن تصدير المواد الخام كان مستقراً عند معدلات بين 40 إلى 50 بالمئة من إجمالي الصادرات، وهذا مؤشر إلى تدني مستويات التصنيع.
أما الحرب وما رافقها من عقوبات اقتصادية جائرة أحادية الجانب، فقد قلبت كل معادلات الاقتصاد، دخولاً باقتصاد الحرب، ومن ثم يصعب تحديد مدى تأثر التجارة بدقة، خاصة بغياب أي بيانات رسمية، ولصعوبة وضع بيانات بدقة في ظروف الحرب، إلا أن التقديرات غير الرسمية لبعض الدراسات الخاصة ومراكز الأبحاث تتحدث عن انخفاض درجة الانكشاف الاقتصادي خلال الفترة بين 2010 و2014 بنحو 60 بالمئة تقريباً، ما يعني انخفاض الأهمية التي تشكلها الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة وضعف الإنتاج المحلي، وفي العام 2015، تراجعت درجة الانكشاف الاقتصادي إلى نحو 11 بالمئة، نجم التراجع عن التقلص الكبير في قيم الصادرات والمستوردات خلال هذه الفترة، مع تراجع بنسبة أقل للناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية خلال الفترة نفسها، وهذا يدل على انعزال الاقتصاد السوري عن المؤثرات الخارجية، وبما أنه اقتصاد صغير نسبياً اعتمد في فترات سابقة على معدلات انكشاف عالية، فهذا يعني تهديداً لفرص النمو الاقتصادي في الفترة المقبلة.
اختراق الواردات
يحسب مؤشر اختراق الواردات نسبة إجمالي الواردات إلى الطلب المحلي، كنسبة مئوية، ويظهر إلى أي مدى تتم تلبية الطلب المحلي (الفرق بين الناتج المحلي الإجمالي وصافي الصادرات) بالواردات، ويمكن استخدام المؤشر كأساس لأهداف سياسة محددة تستهدف الاكتفاء الذاتي، وقد توفر مؤشراً إلى درجة التعرض لبعض أنواع الصدمات الخارجية.
تتراوح قيم المؤشر من صفر (دون واردات) إلى 100 بالمئة عندما يكون الطلب المحلي مستوفياً بالواردات فقط (لا يوجد إنتاج محلي ولا صادرات).
ومن خلال البيانات المتوافرة لدينا، تظهر قيم المؤشر خلال فترة الدراسة تباين معدل الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد، بين مستوى مرتفع عند 22.4 بالمئة في العام 2000، حيث تلبي الواردات 22.4 بالمئة من الطلب الداخلي والباقي من الإنتاج المحلي، لتنخفض نسبة الاكتفاء الذاتي مع ارتفاع معدل تغطية الواردات للطلب المحلي إلى فوق 30 بالمئة مع العام 2004، لتبلغ ذروتها في العام 2008 حيث 36 بالمئة من الطلب المحلي تغطيه الواردات، ثم تبدأ النسبة بالانخفاض مع تحسن الإنتاج بأعلى من معدل الواردات، حتى العام 2011، ويبلغ وسطي النسبة خلال 12 عاماً نحو 29 بالمئة.
الانكشاف الاقتصادي
يعبر المؤشر عن العلاقة بين القيمة الإجمالية للتجارة الخارجية والقيمة الإجمالية للناتج المحلي الإجمالي، ويتم ذلك بحساب النسبة المئوية لقيمة التجارة الخارجية من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
صحيح أن ارتفاع هذا المؤشر لدى بعض الدول لا يعني بالضرورة تبعية اقتصاد هذه الدول للخارج، إلا أن ذلك يعني سهولة تعرض اقتصاداتها للمؤثرات الخارجية، ويصدق هذا الأمر بصورة خاصة على الدول النامية التي تعتمد على تصدير عدد قليل من السلع بشكلها الخام.
لذلك فإن ارتفاع هذا المؤشر دليل على تبعية اقتصاد هذه الدول للخارج وعلى سرعة تأثره بالتقلبات التي تتعرض لها أسواق صادراتها.
إن تحلیل درجة الانكشاف الاقتصادي في التجارة الخارجیة السوریة يظهر التزاید المستمر في هذا المؤشر، ليبلغ ذروته في العام 2008، عن 70.45 بالمئة، ویعود السبب في ذلك إلى أن معدل النمو السنوي في التجارة الخارجیة السوریة كان یتزاید خلال هذه الفترة بنسبة أكبر من معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم زيادة درجة انكشاف الاقتصاد وتأثره بالتقلبات الخارجية.
كما یشیر ذلك إلى زیادة الانفتاح على الأسواق الخارجیة، ليعود وينخفض المؤشر بين 2009 و2011، خلال حدوث الأزمة المالية العالمية، إلى مستوياته قبل العام 2003، بسبب انخفاض معدل نمو التجارة الخارجية، الناجم عن انخفاض معدلات التصدير بشكل ملموس، على حين كانت الواردات تزيد، إلا أن حجم التجارة انخفض متأثراً بالانخفاض الحاد في الصادرات. ويبلغ وسطي النسبة خلال 12 عاماً نحو 56.23 بالمئة.
الميل للتصدير
يقيس مؤشر الميل للتصدير نسبة الصادرات إلى الناتج المحلي الإجمالي، كنسبة مئوية، ويبين درجة اعتماد المنتجين المحليين على الأسواق الخارجية، وهو مشابه لمؤشر الاعتماد على التجارة، أو مؤشر الانكشاف الاقتصادي، ولكنه قد يوفر مؤشراً أفضل لقياس نقاط الضعف إزاء أنواع معينة من الصدمات الخارجية مثل الانخفاض في أسعار الصادرات أو التغيرات في أسعار الصرف، وتتراوح قيمة المؤشر، كنسبة مئوية، من صفر (من دون صادرات) إلى 100بالمئة (مع تصدير جميع الإنتاج المحلي).
تظهر قيم المؤشر في حالتنا أنه بلغ ذروته في العام 2008 إذ تم تصدير 32.23 بالمئة من الناتج، على حين سجل أدنى مستوى في العام 2011 حيث لم يصدر سوى 17.17 بالمئة من الناتج، وهذا ناتج عن تراجع مستوى التصدير، قياساً إلى زيادة الناتج، وزيادة في الطلب الداخلي فالواردات غطت نحو 28.37 بالمئة منه، لذا كان الإنتاج المحلي يعتمد على تلبية الطلب الداخلي بشكل أكبر، وهذا دليل على تحسن مستوى الدخل، ويبلغ وسطي النسبة خلال 12 عاماً نحو 26.42 بالمئة.
كلام صريح
تفيد النتائج بضعف المقومات الواقعية لاعتماد النمو الاقتصادي على الصادرات، ويبدو أن الحكومة خائفة من تبعات التطبيق غير العملي لفكرة إحلال الواردات في حقبات سابقة، علماً بأنها اليوم هي الخيار الأفضل، بموجب مؤشرات الاقتصاد، وهذا لا يعني إلغاء فكرة الصادرات، بل على العكس تماماً، إذ يشكل الإحلال الذكي والانتقائي للواردات بوابة للوصول إلى الاقتصاد القائم على التصدير، يبدأ بدعم ممنهج وواقعي للإنتاج، على أساس منهج «خلق التجارة».
من جانب آخر، هناك الكثير من الإشكاليات والقيود التي تخرج من اعتبار أي دراسات، ومنها تضارب الأرقام الخاصة بالتجارة الخارجية، فكل جهة تفصح عن أرقام فيها اختلاف عن أرقام الجهات الأخرى، إضافة إلى مشكلة عدم الإفصاح عن البيانات الحقيقية لقيم الصادرات والمستوردات، للتهرب من الرسوم والضرائب ولإخفاء حجم الأعمال للمنشآت، إضافة إلى ما يدخل وما يخرج تهريباً، واتساع اقتصاد الظل غير المنظم. كل ذلك وغيره، يخلق عوائق حقيقة أمام فعالية أي قرار اقتصادي، ومن ثم يجعل أي إستراتيجية فاقدة لعنصر الموضوعية وإمكانية التطبيق، ومن ثم فإن الأولوية أمام الحكومة يجب أن تكون معالجة تلك المشكلات.