هذا ما أكده وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل، معلقاً على بعض الآراء الاقتصادية التي تتحدث عن عدم واقعية خيار الحكومة لدعم التصدير وجعله قاطرة النمو في هذه المرحلة، على اعتبار أن الأولوية يجب أن تكون لخيار الإحلال الذكي والانتقائي للواردات حيث يستهدف السلع التي يمكن إحلالها وفق جدوى اقتصادية فعلية، كما بين الخليل أنه في المبدأ، «نحن لم نذهب إلى حد الاختيار بين سياسة تشجيع الصادرات وإحلال المستوردات، فالقضية ليست أبيض أو أسود، وإنما عملنا على المزج بين مجموعة من السياسات الملائمة لطبيعة ونوعية الإنتاج في سورية».
وأضاف متسائلاً «على سبيل المثال كيف يمكن أن تعالج قضية فائض الحمضيات أو التفاح أو زيت الزيتون من خلال سياسة إحلال المستوردات؟»، مبيناً أن الذهاب في سياسة التصدير كان لضرورة إيجاد أسواق خارجية للمنتجات الفائضة عن احتياجات السوق المحلية، وتشجيع الصادرات التي تتمتع بمزايا نسبية مقارنة مع الدول الأخرى.
أما فيما يخص المستوردات، «فقد ركزنا على استيراد المواد الأولية والآلات والتجهيزات اللازمة لإعادة إحياء الصناعات التي دمرتها الحرب، الأمر الذي أدى إلى استعادة العديد من القطاعات لعافيتها، وهذا يعني حكماً توفير بدائل للمستوردات في السوق المحلية، وزيادات لاحقة في الإنتاج تؤدي إلى زيادة الفائض المتاح للتصدير وتحسن الميزان التجاري، وكذلك ننسق اليوم وبشكل كبير مع وزارة الصناعة لتوطين صناعات بدائل المستوردات بعد أن تم تحديد هذه المستوردات وأهميتها النسبية، ونسبتها من كامل المستوردات، والقدرة على القيام بإنتاجها محلياً، مع ما تقوم به وزارة الصناعة حالياً من دراسة الحوافز التي يمكن تقديمها لجذب هذه الصناعات وإحلالها».
ولفت الخليل إلى أن المهم في المرحلة المقبلة، هو تشجيع الاستثمارات المنتجة، وتوجيهها بالشكل الصحيح ما يخدم أهداف التنمية الاقتصادية، «وهذا يدفعنا إلى التفكير الجدي بأولويات التنمية واحتياجات الاقتصاد في المرحلة المقبلة».
لوجستياً
أكد الوزير الخليل ما تشير إليه بعض الدراسات العالمية إلى أن تسهيل الخدمات اللوجستية والحد من الفساد والروتين في عمليات التجارة (وخاصة الجمارك) يزيد التجارة ويدعم مساهمتها في النمو الاقتصادي بعدة مرات أكثر من إلغاء الرسوم الجمركية، مشيراً إلى تراجع مرتبة سورية في العديد من المؤشرات المتعلقة بالمؤشرات اللوجستية (كفاءة إدارة الجمارك – الشفافية في إدارة الحدود….)، ما يعني أن «علينا الكثير من العمل لنقوم به في هذا المجال».
وفي هذا السياق بيّن الخليل أنه يمكن تقسيم خطة الوزارة في هذا الصدد إلى قسمين، أولاً؛ تعزيز كفاءة الخدمات اللوجستية المقدمة للمصدرين، بما في ذلك وضع خطط لتفعيل خطوط النقل /بري– بحري- جوي/ والعمل على إيجاد خطوط نقل بحرية منتظمة مع الدول المستهدفة، ومعالجة الحالات الطارئة بالتعاون مع وزارة النقل، ورفد المرافئ الوطنية بكل المستلزمات الضرورية وخاصة المتطورة منها، وتطوير الإمكانات المتاحة فيها لتقوم بتقديم الخدمات اللازمة لدعم العملية التصديرية، وجمع المعلومات والبيانات حول أسطول النقل الداخلي والخارجي وتحديثها بشكل مستمر ووضع الآليات للاستفادة منها بالشكل الأمثل.
إضافةً إلى تخفيض البدلات المرفئية على السلع المصدرة، وإعداد خريطة سورية التجارية، وإعداد قاعدة بيانات عن مستوردي الصادرات السورية، ودليل لجميع الأسواق التصديرية المحتملة، وبناء نموذج لقياس أداء الشركات المصدرة، وبناء نماذج لقياس أداء التجارة الخارجية، بالشكل الذي يدعم اتخاذ القرار، وأتمتة قطاع التجارة الخارجية كاملاً، بما يتيح تقديم الخدمات ذات الصلة عن بعد، وصياغة برنامج وطني للمساعدة في تدريب كوادر قادرة على متابعة تفاصيل التجارة الخارجية.
أما القسم الثاني، فيتمثل بتبسيط الإجراءات، وذلك عبر النافذة الواحدة (الالكترونية) للتصدير، وذلك في إطار خطة عمل الوزارة باتجاه أتمتة عمل مديريات الاقتصاد والتجارة الخارجية بهدف تنظيم وإدارة ملفاتها في جزئيتها المتعلقة بعمليات الاستيراد ومنح الموافقات عبر التأسيس لنظام النافذة الواحدة، حيث يمكن أيضاً تطبيق الآلية ذاتها تجاه عمليات التصدير وهي الأكثر بساطةً ولكنه يحتاج إلى زمن للتنفيذ ومن ثم للتطبيق.
ولفت الخليل إلى أن أهداف تطبيق نظام النافذة الواحدة تتمثل بتوفير عدد من الخدمات للتجار والحكومة مثل جمع المعلومات عن الوثائق والتراخيص المطلوبة، والحصول على الاستمارات واستيفاء البيانات المطلوبة، والإعلان عن الصادرات والواردات والبضائع العابرة، وإعداد التقارير المتعلقة بتأكيد صحة التراخيص، تبادل البيانات والمعلومات الجمركية مع الأنظمة الأخرى الخارجية، والمشاركة في النافذة الواحدة، ومراقبة مسار الشُحنات وتعقّبها.
في التهريب
بالنسبة لقضية التهريب، رأى الخليل أنها بلا شك ظاهرة شديدة الخطورة على الاقتصاد الوطني، «فقد أدى تفاقم حركة التهريب خلال فترة الأزمة إلى الضغط على موارد القطع الأجنبي لتمويل عمليات التهريب، وبالطبع فإن هذه الظاهرة ليست خاصة بسورية وإنما موجودة في كل دول العالم إلا أن خروج العديد من المعابر الحدودية عن السيطرة خلال فترة الحرب أدى إلى صعوبة ضبطها من المنبع».
مشيراً إلى أن هذه الظاهرة «ليست مرتبطة بشكل كامل مع الواقع الحالي أو بسياسة ترشيد الاستيراد حيث يمكن أن يتم اللجوء للتهريب بغرض التهرب من الرسوم الجمركية أو المواصفات أو أملاً بالربح الأكبر أو إذا كانت السلع غير متوافرة بشكل نظامي».
وفيما يخص حجم هذه الظاهرة، بين الخليل أنه «لا يمكن تقديرها بشكل دقيق من أي جهة كانت، إلا أننا حاولنا خلال الفترة الماضية وبالتعاون مع الجهات المعنية تقدير حجم التهريب لبعض السلع ذات القيم المرتفعة، لكن لا بد من التأكيد أنه مع اعتماد دليل منح إجازات وموافقات الاستيراد فقد تراجع حجم هذه الظاهرة بشكل كبير، وهي الآن ليست بهذا الحجم الذي يمكن تصوره، حيث تقوم الجهات المختصة بمكافحة هذه الظاهرة بالوسائل المتاحة لديها ولا سيما في ظل توسيع الأمن والأمان ليشمل مناطق كانت غير آمنة ويتم من خلالها التهريب كما أنه يتم دعم مديرية الجمارك العامة للحد من هذه الظاهرة من خلال تأمين الوسائل اللوجستية والعناصر المؤهلة».