كتب: مجد عبيسي
في غابر الزمان، حين كانا العلم والمعرفة مايزالان يحبوان، كانت دولة الإغريق منقسمة إلى عدة أنظمة، منها نظام مدينة إسبارطة التي كانت تعتمد سياسة عدم التغيير في أي نهج سائد، وظلت متمسكة بهذخ السياسة حتى القرن السادس قبل الميلاد..!
وعزا بعض المؤرخين سبب الفكر الجاف لاسبارطة، لابتعادهم عن العلم والمعرفة اللتا كانتا عامرتين في أثينا ذاك الزمان.
اليوم، وبعد نحو 8 قرون من الزمن، نجد رواسب فكر اسبارطة في بعض القرارات الحكومية، رغم أن روح أثينا قد سادت في عصرنا -وزيادة- بما يكفي لنتخذ الخطوات الصحيحة، ولكن تقمص العنجهية الاسبرطية أطاح على ما يبدو بالفكر الأثيني، في وقت نحن بأمس الحاجة فيه للمرونة حتى نتماهى مع متغيرات الظروف!
أمس كانت الصحة، وقبلها النفط، والكهرباء حدث ولا خرج، ولا يمكنني النأي بأي وزارة عن هذه التهمة، واليوم التربية تنوء تحت مطالبات الجماهير بتأجيل المدارس !!
مطالبات الجماهير من بسطائهم وحتى الفئات المثقفة منهم بتأجيل العام الدراسي، ليست بطراً، بل مبنية على أسباب علمية وتقنية وبيولوجية واضحة، في وقت لم تتضح فيه وجهة نظر التربية حول تمسكها بقرار بدء العام الدراسي في وقته !!
إن سياسات اسبارطة أطاحت بجل شعب المدينة الإغريقية فيما مضى، واليوم نرى الجائحة تتطبح بكوادر غير قليلة من القطاعات الطبية والقانونية والعلمية العالية، ونرى شبح الحصاد يطوف حول الكوادر التربوية إن كان قرار المباشرة غير مدروس بعناية من كافة جوانبه.
أمس طالعتنا التربية بتحضيراتها مع منظمة اليونيسيف لخطة!!... تقنا لمعرفة الخطة، ليتبين أنها خطة توعوية إعلامية !!
حيث جاء في الخبر أن وزارة التربية تعمل على إعدادها مع عدد من الرسائل التربوية والتثقيفية التي توضح لجمهورها أهمية التعليم في حياة الأطفال، وضرورة اتخاذ الإجراءات الصحية لحمايتهم، ومسؤولية الفرد والمجتمع تجاه ذلك!
إذا، نفهم من هذا أن التربية ترمي كرة مقاومة العدوى في ملعب الأطفال والأهالي، ولم نعرف ما هي إجراءات الوزارة في وقاية الأطفال والكوادر التعليمية من خطر الإصابة، إن تم زجهم في التجمعات المغلقة التي ستكون ضمن الصفوف الدراسية، في وقت حرج من انتشار الوباء!
وإن أصرت التربية على إطلاق العام الدراسي في موعده، نسأل عدة أسئلة مشروعة:
ماذا ستقدم إن أصيبت الكوادر التعليمية بالعدوى؟
هل الوزارة كفيلة بتحمل تكاليف العلاج التي تتجاوز 300 الف ليرة سورية دون أكسجين؟..
وفي حال إصابة المعلمين، ووجوب الحجر عليهم وترك الدوام، هل يتوافر لدى الوزارة عدد كاف من البدلاء؟ أم ستغلق المدارس؟
بموجب أخر التقديرات، فإن الإفصاح عن نحو 80 مصاب يومياً من أصل 300 مسحة كل يوم، يعني أن نسبة المصابين التقديرية تصل الى 25% من الشعب مبدئياً.. وهنا لن تنفع مناعة القطيع إن استمرت الحكومة بثقافة التجمعات والازدحامات، كطوابير الخبز والمقننات وغيرها، والتي لم يجدوا لها حلاً حتى اليوم، أو مع الاختلاط والازدحام مع بداية المدارس!
المنظومة التعليمية في دول أخرى، اعتمدت سياسة التعلم عم بعد، ريثما تنتهي هذه الموجة، وفي دول أخرى، تحولت المدارس إلى غرف شبيه لغرف العناية المشددة، من شدة العقامة والإجراءات الاحترازية، أما عندنا.. فالتوعية الإعلامية هي الوجاء على ما يبدو!!
إن تشكيلة 4-4-اسبارطة، لن تجد نفعاً مع فايروس عنيد كهذا.. وسنخسر الشوط الثاني مثلما خسرنا الشوط الأول... ودمتم سالمين.
ملاحظة 1: البروتوكول العالمي حول استراتيجيات العودة إلى المدرسة، سواء أكان ذلك بالعودة الكاملة، أم بتقسيم الطلاب إلى أفواج، وتخفيف الدوام للحد من الكثافة الصفية.. يتبعه سلسلة من التجهيزات الصفية الفنية الطبيةـ تضمن العقامة الكاملة وعدم التماس والتهوية الجيدة للغرف الصفية.. وهذا لم تصرح الوزارة أنها اتخذت خطوة تجاهه حتى اليوم !
ملاحظة 2: هذه الصورة ليست في مدارسنا.. بل في تايلاند.