عصام الصافتلي
بالأمس طلبت مني أختي أن أستبدل لها اسطوانة الغاز الفارغة بأخرى ممتلئة وكونه لايوجد مراكز لتوزيع الغاز بالقرب من منزلها انتظرت البائع المتجول وحضّرت نفسي نفسياً للاستغلال فالقضية مبدئية وبديهية ولا نقاش حولها جاء البائع المتجول ودون مقدمات أو خجل قال: الاسطوانة يضاف إلى سعرها الأصلي مائة ليرة ضريبة توصيل وعتالة .. فقلت له حسناً أيها الرجل المبارك القنوع... نظر إلى الاسطوانة الفارغة وصرخ بعد أن وضع يديه على خصره (شو بدك تضحك علينا) قلت له:حماك الله وعافاك لماذا ؟ قال : وهو يهز رجله اليمنى هذه الاسطوانة لبنانية، قلت: يا أخي لا شأن لي بالسياسة فهل اسطوانتنا لها علاقة بسوء العلاقات اللبنانية السورية وبالمأزق اللبناني السيادي الشباطي ... قال أنا لا امزح ،لا بديل ولا تبديل ولا تحميل ولا تنزيل لهذه الاسطوانة على أراضي الجمهورية العربية السورية، قلت: إنها جديدة وثمنها ثلاثة آلاف ليرة ونحن لم نسرقها.. لم نستوردها .. قال:لا تعالج لاحل لها عندي ولاعند غيري، لكن من منطلق إنساني اشتريها منك بخمسمائة ليرة ،عندما رفضت ذهب وهو يهز رأسه وفي قلبه يقول يا له من مغفل
كررت محاولة التبديل مع عدة باعة وكانت النتيجة واحدة ..لبنانية ...لبنانية ..لبنانية فمن أين جاءت هذه الاسطوانة الجربة المكروهة المنبوذة هل سقطت مع أمطار كانون دون أن يلحظها الرصد الجمركي؛ أم خرجت من باطن الأرض في جرمانا دون أن يراها عمنا (ريختر) ومقياسه .
لا بد أن لعنة الاسطوانات ومشاكلها مفروضة علينا فرضاً أو ربما هناك تعويذة فرعونية سادكوبية لا مفر منها، فقبل عدة أعوام طلبت من جاري الحلاق أن يشتري لي اسطوانة غاز جديدة فقال : اليوم سيزورني (المتاجر بكل شيء) ولو طلبت منه حليب الحيتان لأحضره لك ..جاء التاجر مساءً وقال هل تريدها ممتلئة أم فارغة أم بخرطوم، وطلب سعراً اقل من سعر السوق بمائة ليرة .. طبعاً طلبتها ممتلئة وأحسست بالسعادة والزهو والنصر لأنني حصلت عليها بسعر اقل.... لم أكن اعلم ابداً أن هذه المائة ليرة ستسبب لي خسارة مقدارها ثلاثين ألف ليرة... فبعد ستة أشهر علمت أن التاجر عبارة عن لص محترف لا مهنة له إلا السرقة
قبضت الشرطة عليه وبدأت تصريحاته واعترافاته تنهمر.. الشرطة قبضت على جميع الأشخاص الذين اشتروا بضاعته ... قبضت على كل من أحس بالسعادة لأنه اشترى بضاعته بأقل من ثمنها بمائة ليرة .
وكان من بين المقبوض والمغضوب عليهم جاري الحلاق وهو صلة الوصل الوحيدة بيني وبين التاجر اللص .. قلت لنفسي اللص عندما يرى الحلاق سيتذكر اسطوانتي يجب إخراج الحلاق من السجن ... استنجدت بصديقي المحامي وذهبنا إلى قسم الشرطة وسألنا عن الحلاق وعن تهمته ، قال لنا المساعد المسؤول اشترى من " المتاجر بكل شيء" جهازي تلفاز ولن يخرج من السجن قبل إعادة التلفازين ، انطلقت مسرعاً لشراء الجهازين من محل يمنح الزبائن فواتير نظامية حقيقية وعدت عودة الفاتح المنتصر إلى قسم الشرطة ..بيسر وسلاسة ودون بيروقراطية استلموا مني الجهازين وقالوا غداً سنطلق سراحه ...في الطريق قلت للمحامي فديت نفسي بالمال يجب أن يكون الإنسان حاضر البديهة ويجب عليه إذا حوصر أن يجد الحلول الفورية للحالات المستعجلة ، في اليوم التالي انتظرت خروج الحلاق من السجن لكنه لم يخرج ....ذهبت إلى القسم غاضباً وعاتباً، فقالوا: اعترف اللص ليلاً بأنه باع الحلاق أيضاً جهاز فيديو ولا خروج للحلاق قبل إحضار الفيديو.. هرعت مسرعاً إلى بيتي وانتزعت جهاز الفيديو من بين أحضان أطفالي وعدت به إلى قسم الشرطة وسلمتهم إياه ،كم كانت فرحتي عظيمة بعد خروجي من قسم الشرطة لأنني اكتشفت أنني نسيت على تابلو السيارة جهاز التحكم الخاص بالفيديو ، فرحتي كانت تعادل فرحتي يوم ربحت المائة ليرة ... ومرّت أيام وأيام ولم يخرج حلاق بغداد من السجن ... كنت أرسل له يومياً الطعام المدعوم والمرطبات والدخان المستورد.. وفي كل مساء كان يرسل لي قائمة بطلبات الغد .... خلال هذه الفترة توثقت العلاقة بين الحلاق وبين المساعد المسؤول فأخبره بأنه لم يشترِ جهاز فيديو من السارق... فقال المساعد للحلاق من هذا الرجل الذي سلمنا التلفازين والفيديو ؟ فقال له إنه جاري ولا شأن له بكل هذه القصص ... فقرر المساعد إعادة جهاز الفيديو لي فأرسل شرطياً فظ الطباع غليظ الملامح ذو صوت أجش مرتفع كأنه الرعد، قرع جرسي وبدأ يصرخ في الشارع :الفيديو... نريده موجوداً ... حالاً نريده .. جمل لم يفهم منها إلا كلمتين فيديو.. يريده المساعد حالاً .... فضحني الشرطي الأحمق الانتهازي ... فأهل الحي فهموا بأنني سرقت جهاز فيديو وهو الآن في الحجزمضبوط ويجب ضبطي معه... بعد فترة خرج حلاق بغداد وخرج المتاجر بكل شيء (تحت المحاكمة ) والتقيت صدفة بالتاجر فقال لي: أنا لا أنس زبائني أبداً إياك أن تظن أنني نسيت الأسطوانة التي بعتك إياها ...أشكرك على المواد التي كنت ترسلها لحلاق بغداد فقد كان يعطيني نصفها.....