سيريانديز- لانا الهادي
نظمت كلية الاقتصاد بجامعة دمشق ندوة حوارية بعنوان "التشاركية بين القطاعين العام والخاص في الاقتصاد الوطني” ، أكد خلالها أساتذة كلية الاقتصاد على أهمية مفهوم التشاركية بين القطاعين العام والخاص كونها تسهم في نمو الاقتصاد الوطني وإنعاشه بشكل فاعل ومسؤولية مهمة اقتصادياً واجتماعياً.
وشارك في الندوة التي أقيمت على مدرج المؤتمرات في الكلية، أساتذة وباحثون اقتصاديون، بحضور طلاب الدراسات العليا في الكلية وعدد من المهتمين بالشأن الاقتصادي في حين أدار الندوة الدكتور عبد القادر عزوز رئيس قسم الاقتصاد في الكلية.
وأشار عميد كلية الاقتصاد الأستاذ الدكتور حسين دحدوح خلال افتتاح الندوة إلى أهمية التشاركية بين القطاع العام والخاص في الاقتصاد السوري وخاصة في موضوع إعادة الإعمار، على أن تكون التشاركية بينهما متوازنة بجميع جوانبها لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب.
وتضمنت الندوة خمسة محاور الاول تضمن مفهوم وطبيعة التشاركية بينما المحور الثاني تضمن متطلبات التشاركية الاقتصادية وأما عن المحور الثالث ركز على التشاركية قراءة في السياق التاريخي والتجربة السورية، والمحور الرابع كان حول التشاركية خيار تنموي وختاماً المحور الخامس قدم رؤية مستقبلية لتفعيل التشاركية .
في المحور الأول رأى د عدنان سليمان أن التشاركية وهي صيغة فلسفية تعتمد على إعادة هيكلة الدولة من جهة وجميع الفعاليات ضمن مسار التنمية في إطار وطني.
ولفت إلى أنه لتنظيم هذه الشراكة صدر القانون رقم ٥ لعام ٢٠١٦، وكذلك صدر القانون رقم ٣ لعام ٢٠٢٤، وبموجبهما تم السماح لكل الشركات أن تدخل شراكة بين الطرفين العام والخاص، وهذه ربما المرة الأولى سُمح فيها للرأسمال الخاص أن يدخل بصيغة شريك استراتيجي تنموي يقدم خدمات عامة واستثمارية، والأولوية تكون للاستثمار في المرافق العامة مثل البنى التحتية شريطة توخي المصلحة العامة.
وأكد سليمان على ضرورة إعطاء القطاع الخاص دوره في تعزيز المشاركة و بناء الاقتصاد الوطني بشكل مجد وفعال.
من جهتهه أكد الاستاد الدكتور رسلان خضور خلال محوره والذي حمل عنوان رؤية مستقبلية لتفعيل التشاركية” أن التشاركية تعمل وفق آليات السوق وكي تعمل آليات السوق و لكي تنجح السوق هذا يتطلب دولة قوية، ولكي تنجح التشاركية وتكون لها آثار إيجابية على مستوى الاقتصاد الوطني يجب أن تكون الدولة صاحبة السلطات قوية وقادرة على التشريع غير المنحاز والتنظيم والإشراف والمراقبة والضبط وخلق البيئة التنافسية لمن يدير مرافقاً عاماً لافتاً إذا كانت التشاركية ستضعف دور وسلطة الدولة فيجب إعادة النظر بها، فمن مهام الدولة صاحبة السلطات إدارة التشاركية بفاعلية بين العام والخاص.
وقبل الحديث عن الرؤية المستقبلية لهذه التشاركية طرح رسلان عدة تساؤلات منها:
لماذا التشاركية؟ وما هي الحاجة للتشاركية؟ هل الهدف من التشاركية تقليص دور الدولة، أو إزاحة الدولة أم تعزيز دور الدولة؟ هل اللجوء إلى التشاركية هو بسبب فشل إصلاح وتطوير مؤسسات قطاع الأعمال العام، والمؤسسات الحكومية، والعجز عن استغلال الطاقات الإنتاجية الموجودة، بسبب الممانعة البيروقراطية الإدارية والسياسية.
هل تقييم أداء شركات قطاع الأعمال العام يتم من خلال الربحية المحاسبية فقط ولكي يكون ذلك مبرراً لطرح التشاركية مع القطاع الخاص؟ أم إن هناك مؤشرات أخرى اقتصادية واجتماعية طويلة الأمد يمكن اعتمادها للتقييم؟
وهل نقوم بالتشاركية لمواجهة العجز في الموازنة العامة للدولة، وهل نقوم بمشاريع التشاركية فقط لأن الموازنة العامة للدولة غير قادرة على التمويل؟ ولتأمين تمويل اللازم من قبل القطاع الخاص؟
وهل دوافع التشاركية البحث عمن يقدم السلع والخدمات بكفاءة أعلى وفاعلية أفضل من خلال الحد من الهدر وتخفيض التكاليف الاستفادة من مرونة خبرات القطاع الخاص في الإدارة والتشغيل والصيانة زيادة الإنتاجية، توزيع المخاطر؟
والأهم هل قطاع الأعمال الخاص مؤهل للمشاركة والاستثمار في المشاريع الكبرى وإدارتها؟ وكيف يمكن الموازنة بين مصالح الدولة العليا ومصالح قطاع الأعمال الخاص المشارك، وأخيراً: هل مسألة التشاركية مسألة اقتصادية تقنية؟ أم مسألة اقتصادية اجتماعية سياسية؟..
من وجهة نظره بين الدكتور تيسير المصري، أن التشاركية بحاجة إلى مناخ مناسب، وألا تكون القرارات والتشريعات فردية ومتبدلة بين وقت وآخر، لأن القطاع الخاص لا يعمل بظروف غير مستقرة، ولأن التشاركية أجلها طويل، لذلك هي بحاجة للاستقرار الاقتصادي.
وحدد أن المطلوب وجود إدارة واعية متمكنة من اتخاذ القرارات المتعلقة بهذا النهج، فلا يجوز لموظف حكومي أو مجموعة موظفين، ربما لا يمتلكون الكفاءة، أن يتحكموا بإصدار القرارات البالغة الأهمية والمتعلقة بالأمن الاقتصادي للبلاد.
وقدم الدكتور هيثم عيسى قراءة في تاريخ التشاركية في العالم وتطور صيغها موضحاً أن التشاركية ظهرت لأول مرة في سياق فكر اقتصادي يهدف إلى تعميق النهج الرأسمالي على حساب منافسه الماركسي، وكذلك في سياق عملي مصلحي يهدف إلى تخفيف الأعباء المالية عن الموازنة العامة ودافعي الضرائب، كما تناول في محاضرته التجربة السورية في موضوع التشاركية مؤكداً عدم وجود دراسات جدوى اقتصادية حكومية معتمدة لكل المشاريع التي تطرح سواء وفق قانون التشاركية أو غيره، وضرورة تقييم تجربة التشاركية بشكل جذري.
وركزت مداخلة الدكتور عابد فضلية حول متطلبات التشاركية الاقتصادية في سورية مشددا ً على ضرورة إعادة النظر بالتشريعات ذات الصلة بالتشاركية ومنها القانون رقم ٥ والقانون رقم ٣ الذي صدر عام ٢٠٢٤ وهو تحول الشركات العامة أو المؤسسات العامة إلى شركات مساهمة عمومية مغفلة، وبرأيه تكون التشاركية الحقيقية بين الدولة والقطاع الخاص من خلال المشروعات الضخمة في كافة القطاعات، باستثناء البترول والماء اللذين يجب أن يبقيا في عهدة الدولة.
وأكد الدكتور فضلية على ضرورة أن التشاركية ضمن ضوابط وشروط عادلة تحفظ الحق الخاص والعام بنفس القدر، دون الإخلال بين دور الدولة والقطاع الخاص الذي يجب أن يكون متوازناً تشريعياً وفنياً من حيث النشاط والوزن، معتبراً الشركات المساهمة العامة هي الشكل الأفضل المؤسسي لأي بنية اقتصادية مؤسسية باعتبارها شركات يسهم في أموالها مئات الأشخاص وتوزع أرباحها سنوياً، وفيها حوكمة وشفافية وتخضع لرقابة مشددة ومنطقية.
ورأى الدكتور أحمد الصالح في مداخلته بأن مفهوم الشراكة الاقتصادية كخيار تنموي يأتي في سياق فهم ماهية اتجاه النمو وعمقه وأقطابه، وفي الحالة السورية القطاع التعاوني قد يكون حلاً مساعداً لكثير من المشاكل المطروحة على أساس الشراكة، وأن الشراكة الاقتصادية في سورية موجودة أكثر في قطاع الخدمات، مؤكداً على أهمية تعزيزها في القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل الزراعة والتنمية الريفية والابتكار.
وفي ختام الندوة أجاب المحاضرون على أسئلة ومداخلات الحضور حول مجمل المحاور والعناوين التي طرحت مع تقديم العديد من المقترحات بشأن تعزيز وتفعيل التشاركية بين القطاعين العام والخاص.
وتأتي هذه الندوة ضمن سلسلة الندوات الاقتصادية التي يقيمها قسم الاقتصاد في الكلية لمناقشة القضايا والمشكلات الاقتصادية المطروحة على الساحة المحلية والعربية والدولية.
وخرجت الندوة بضرورة تعزيز مفهوم التشاركية بما ينعكس دورها الإيجاب على دعم الاقتصاد السوري وتمكينه.