إن تعددية الأطراف تمر بأزمة، ومع كل منعطف للأحداث، تتعرض الأنظمة المتعددة الأطراف والمنظمات الدولية للوهن على حساب الجنوب العالمي، والأمم المتحدة تقف مشلولة، وحتى مع اعتماد القوانين والاتفاقيات الدولية لتعزيز النظام الدولي القائم على القواعد، فإنها تُنتهك مع الإفلات من العقاب دون مساءلة.
إن كل المشاكل الحالية تقريباً، سواء في الأمم المتحدة أو منظمة التجارة العالمية أو صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، يمكن إرجاعها إلى عجز النظام المتعدد الأطراف عن استيعاب القوى الجديدة والناشئة في هيكل ما بعد الحرب العالمية الثانية، فهذه التعددية عالقة بين أولئك الذين يناضلون من أجل الحفاظ على الوضع الراهن لعام 1945 وأولئك الذين يطالبون بالإصلاح ليعكس الحقائق الحالية الأكثر تعدد الأقطاب.
تعتبر الهند من أكبر المؤيدين لتعزيز التعددية على مر السنين، ولكن في عالم متغير، إذا لم تتمكن الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان وخامس أكبر اقتصاد، والتي تتمتع بسجل حافل من التعددية والديمقراطية والروح الحضارية للإنسانية، من إعطاء حقها في الحوكمة العالمية، فهذا يعني أن الإصلاح يمر بمراحل حرجة للغاية.
إن سجل الهند في الماضي القريب والفترة التي قضتها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمدة عامين (2021-2022) تحتوي على أمثلة عديدة، كمواجهة التحديات العالمية مثل فيروس كورونا، وتغير المناخ، والفجوة الرقمية والذكاء الاصطناعي، والإرهاب وما إلى ذلك، وانتشار الصراعات التي تهدد السلام والأمن الدوليين، وهنا يكمن الإشارة إلى أنه عندما كان العالم يعاني من مرض كوفيد-19، وكانت البلدان تخزن اللقاحات لنفسها، كانت الهند هي التي تقدمت لإنتاج اللقاحات وتوزيعها للعالم.
في عام 2021، نجحت الهند في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSC)، في إحباط خطوة لانتزاع تغير المناخ من العملية الشاملة التي تقودها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، والتي تضم جميع البلدان، ووضعها تحت نطاق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، حيث أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وضع العمل المناخي فعلياً تحت رحمة الأعضاء الخمسة الدائمين، وشددت الهند على أن مشروع القرار يسعى إلى تسليم تلك المسؤولية إلى هيئة لا تعمل من خلال التوافق ولا تعكس مصالح البلدان النامية، وبالطبع تم رفض المشروع من خلال التصويت منذ أن صوتت الهند ضده، بينما استخدمت روسيا حق النقض، ولو نجحت هذه الفكرة، لكانت هندسة تغير المناخ قد نجحت حتى الآن في حجب صوت الجنوب العالمي، وخاصة الدول الأكثر ضعفاً والدول الجزرية الصغيرة النامية، وبهذا الموقف تكون الهند وقفت مرة أخرى إلى جانب الشمولية والتعددية، وفي السياق نفسه، لعبت الهند دوراً فعالاً في إنشاء التحالف الدولي للطاقة الشمسية الذي يضم الآن 100 دولة عضو.
أصبحت مجموعة العشرين الآن مجموعة متعددة الأطراف مؤثرة تتألف من الاقتصادات الكبرى التي تتخذ قرارات بشأن القضايا الاقتصادية والتنموية العالمية التي تؤثر على جميع البلدان الأخرى، ومع ذلك، كانت الثغرة الكبيرة هي أنها لم تكن تمثل بشكل كامل الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم في الجنوب العالمي، ولسد هذه الفجوة، تولت الهند رئاسة مجموعة العشرين (2022-2023)، و عقد رئيس الوزراء “مودي” قمة صوت الجنوب العالمي حيث شاركت 125 دولة نامية، تم توجيه نتائج القمة إلى مناقشات مجموعة العشرين خلال رئاسة الهند للتأكد من أن مجموعة العشرين اتخذت قرارات مستنيرة وشاملة تؤثر على الغالبية العظمى، بالإضافة إلى ذلك، قامت الهند بالضغط على الاتحاد الأفريقي وإدخاله في مجموعة العشرين وهي خطوة كبيرة لقارة لم يتم تمثيلها بشكل كافٍ سواء في مجموعة العشرين أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو في الهيئات الدولية الأخرى.