سيريانديز ـ نجوى صليبه
"المرة الجاي اعملوا حفلة واعزمونا عليها" هذا ما قاله زياد الرّحباني للسّوريين الذين كانوا يسبقونه في الغناء فور سماع اللحن بآخر حفلة له في سورية، عندما احتضنته قلعة دمشق بعد غياب.. لقد حفظوا أغنيّاته ومسرحيّاته وألحانه عن ظهر قلب كما حفظوا من قبل أغنيّات ومسرحيّات وألحان عائلته.
واليوم، يستفيق السّوريون على الخبر الفاجع، لقد رحل رفيق رحلاتهم وسعادتهم وأحزانهم ودروب نضالهم، وعلى الرّغم من انشغالهم بوداع أبنائهم يقومون بواجب العزاء غير متكلّفين اللغة ولا متصنعيها عبر فضاء كان أزرق قبل لحظات، تقول الأديبة ديانا جبور: "هاد السواد ما كان بيلبق له زياد.. كان مخرج لناس ويعطي أمل انه أي في أمل ما بعرف قديش واقعي لناس تانيين .. وداعاً يا نحن بكل مالنا وما علينا".
رئيس تحرير سيريانديز الأستاذ أيمن القحف كتب جملة واحدة مع صورة زياد: "ليه عمتعمل هيك ؟!" في إشارة إلى لحنه الشهير :" أني عمفكر أبقى إني وياك
ليه عمتعمل هيك؟!" وهي النعوة نفسها التي استخدمناها يوم رحل رفيق دربه وصاحب الأغنية جوزيف صقر.
ونعرف نحن السّوريون زياد أكثر من أي جمهور آخر، لذلك اليوم هناك من تذكّر الفنّانة كارمن لبس التي غنّى لها "عايشة وحدا وبلاك" والتي نعته كما لو نعت وطناً، إذ كتبت على حسابها الشّخصي على الـ"فيسبوك": "ليش هيك.. حاسة كل شي راح.. حاسي فضي لبنان"، وهناك من وجد في استذكار بعضاً من أقواله خير ما يمكن قوله أمام هول الفاجعة يقول الشّاعر أنس الحجار: "كيفك أنتا.. يا زلمة نص الألف 500.. مارح تعيش وحدا بلاك.. وبما أنو كل شي مش منيح.. ومهما كذب عياش .. رح نتم بعدك بلا ولا شي".
ونقولها زياد هكذا من دون ألقاب لأنّنا نحن السّوريون عندما نحبّ شخصية عامّة نشعر وأنّها فرداً من العائلة، نحبّها ونرعاها ونعلّق صورها في منازلنا ونستشهد بأقوالها ونثق بها وبأحكامها وقراءاتها للمستقبل، يقول الإعلامي أمجد طعمة: "زياد..والله بكير وناطرين منك كتير بعد.. مين ممكن يفهم الدنيا متلك لمية سنىة لقدام ويشرحلنا إياها.. الكبار والحلوين متلك بيروحوا هيك خطف، ما بيصير نشوفن عم ييختيروا وعم يتعبوا وعم ينقهروا بسبب كمية البشاعة بهالكوكب"..
زياد يرحل اليوم تاركاً خلفه 69 عاماً مميزاً بسخريته وعمق معالجته للقضايا المحلية والعربية، في وقت نأى كثير من الفنّانين العرب عن قضاياهم المصيرية، فكانت الطّائفية عدوّه الأوّل، وعبّر عن موقفه هذا في مسرحياته وحواراته، وكان ناصراً دائماً للشّعوب لا غيرهم، فتمرد وانتقد وحارب، وكان من الفنّانين القلائل الذين لم يجاملوا ولم يساوموا بالقضية الفلسطينية التي دعمها في كلّ لقاءاته، وفضح نفاق الإعلام والسّاسة تجاه غزّة وكارثتها وربّما قلبه لم يحتمل ما رآه ـ مؤخراً ـ من مجاعة فتكت بالرضّع والعجائز، وهو الذي قال مراراً :"غزة مش لوحدها... في صوت معها اسمه الضّمير، بس وين الضمير؟".
"بالنسبة لبكرا شو؟" سؤال طرحه زياد الرحباني منذ زمن ولم نجد له جواباًن واليوم نودّعه ونحن نعيد عليه السؤال ذاته: "بالنسبة لبكرا شو يا زياد"، ونحن على يقين بأنّه "بالآخر في آخر في وقت فراق".
ونحن في موقع سيريانديز نعزي أنفسنا ونعزي السيدة فيروز بمصابها الأليم.