خاص - سيريانديز
مع كل شتاء، تتجدد معاناة السوريين مع البرد القارس فبينما تنخفض درجات الحرارة في مختلف المحافظات، ترتفع أسعار الوقود والكهرباء بشكل غير مسبوق لتتحول التدفئة من حاجة أساسية إلى عبء ثقيل على كاهل الأسر ولم يعد فصل الشتاء مجرد فصل بارد بل أصبح موسما للقلق والمعاناة حيث يجد المواطن نفسه أمام خيارات محدودة فإما الاعتماد على الكهرباء التي لا تأتي إلا لساعات قليلة يوميا أو اللجوء إلى الغاز والحطب رغم تكلفتهما ومخاطرهما أو البحث عن بدائل بدائية قد تكون خطرة على الصحة والبيئة.
مواد التدفئة متوفرة... ولكن خارج القدرة
رغم توفر مواد التدفئة هذا العام مقارنة بسنوات سابقة، فإن الأسعار المرتفعة تجعلها بعيدة عن متناول شريحة واسعة من السوريين فالمدافئ الكهربائية، التي كانت خيارا شائعا، باتت غير عملية بسبب ارتفاع تعرفة الكهرباء وساعات التقنين الطويلة التي تتراوح بين 10 و14 ساعة يوميا.
محمد خلف، موظف متقاعد من دمشق، قرر الاعتماد على المازوت هذا الشتاء، بعدما وجد أن الكهرباء لا توفر دفئا مستقرا وتستهلك طاقة دون جدوى، في المقابل، لجأت سميرة عبد الله، وهي أم لثلاثة أطفال، إلى التناوب بين المدفأة الكهربائية ومدفأة الغاز، رغم التكلفة المرتفعة مستفيدة من عزل المبنى وساعات وصل التيار الكهربائي القليلة.
الغاز والحطب... حلول جزئية لا تخلو من المخاطر
في ريف دمشق، عاد بعض السكان إلى استخدام الغاز بعد انخفاض نسبي في سعر الأسطوانة، كما فعل محمود العلي، الذي يرى فيه خيارا أكثر موثوقية من الكهرباء. أما في ريف طرطوس واللاذقية، فالحطب هو الخيار الأكثر شيوعا، رغم مخاطره الصحية والبيئية، كما يوضح موسى أحمد، لكن محمد الحسين اضطر للتخلي عنه بعد أن سبب حساسية لزوجته مشيرا إلى أن تكلفته باتت تقارب المازوت، مع استهلاك أكبر..
وفي بعض المناطق، ظهرت بدائل مثل مدافئ قشر الفستق أو الطاقة الشمسية والبطاريات، لكنها تظل حكرا على فئة محدودة من الميسورين، بينما بقي الحطب والمازوت الخيار الأكثر واقعية لغالبية السوريين.
السوق يعكس الأزمة... والطلب لا يعني القدرة
استطلاع أجرته شبكة "سيريانديز" في أسواق دمشق أظهر ارتفاع الطلب على مدافئ المازوت هذا العام، في ظل تراجع الثقة بمدافئ الكهرباء والغاز، ومع ذلك فإن التكاليف تبقى مرهقة إذ تحتاج الأسرة إلى مئات الليترات من المازوت أو أطنان من الحطب، بتكاليف تفوق بكثير متوسط الدخل الشهري الذي لا يتجاوز 150 دولارا
حلول ومخاطر
يرى الخبير الاقتصادي د. محمد الجندي أن "رفع تعرفة الكهرباء أسهم في تعقيد ملف التدفئة داعيا إلى إعادة النظر في التعرفة وزيادة الاهتمام بمصادر الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية، مع إمكانية تقديم قروض ميسّرة للأسر لتركيب الألواح والبطاريات، إلى جانب دعم مدافئ موفرة للطاقة وتحسين كفاءة الشبكات الكهربائية بينما حذر الاقتصادي سامر حسين في تصريح لشبكتنا من أن "التحطيب العشوائي، رغم كونه وسيلة بقاء، يهدد البيئة ويستنزف الغطاء الحراجي" داعيا إلى وضع ضوابط صارمة لقطع الأشجار والحراج لحماية الغطاء النباتي في البلاد".
معاناة مستمرة... وأسئلة بلا إجابة
رغم تنوع الوسائل نظريا، فإن الواقع يفرض على السوريين خيارات محدودة، غالبا ما تكون مفروضة لا مختارة. من الغاز إلى الحطب، ومن الكهرباء إلى الطاقة البديلة، يبقى القاسم المشترك هو المعاناة نتيجة استمرار انخفاض القدرة الشرائية التي حولت التدفئة إلى معركة يومية بين الحاجة والقدرة، بين البرد القارس والميزانية المثقلة، وفي ظل هذا المشهد، تبقى الأسئلة معلقة: كيف نحصل على الدفء؟ ومن أين نؤمن الوقود؟ وهل ستبقى التدفئة حلما مؤجلا عاما بعد عام؟