سيريانديز ـ نجوى صليبه
تشغل القاصّة والرّوائية سوزان الصّعبي بالها بتفاصيل يومية تعيشها نساء فلسطين عموماً وٍغزّة خصوصاً، وتقول: "أفكّر بنساء فلسطين كيف يتدبّرن أمورهن ويعشن في خيام لا تقيهن حرّ الصّيف ولا برد الشّتاء.. أفكّر بالمرأة التي فقدت ابناً أو زوجاً أو أباً أو أخاً، وأتألّم لآلامهن الكثيرة.. هل فكّر أحدهم ماذا تفعل المرأة في غزّة إن أرادت أن تغسل ثياب عائلتها؟".
لكن ماذا عن الكاتبات في فلسطين؟ هل تم إشغالهن بما يمنعهن من الكتابة عن آلامهن وتوثيقها؟ سؤال تجيبنا عليه الصّعبي بالقول: "هذه التّفاصيل اليومية المعقّدة في غزّة تعيشها المرأة عموماً هناك كما المرأة الكاتبة، ولديّ تواصل أحياناً مع بعض الكاتبات في غزّة، إنّهن يتحدّين كلّ هذه الظّروف القاسية ويكتبن، ومن خلال كلماتهن أقترب أكثر من مشاعرهن، أقترب أكثر من الحقيقة، وأعتقد أنّ الكاتبة التي تؤمن بنور الكلمة في هذا الزّمن المظلم ستبقى تكتب على الرّغم من كلّ شيء، إذ إنّها تولد من جديد مع كلّ سطر تخطّه، وتشعر بأنّ قوّتها تزداد مع كلّ نصّ".
تعبّر الصّعبي دائماً عن مشاعرها تجاه فلسطين، في الوقت الذي يتجنّب بعض الكتّاب الفلسطينيين ذلك، فهل الكاتبة الفلسطينية أوفى لقضيتها وتشعر فيها أكثر من الكتّاب؟ توضّح: "أنا امرأة فلسطينيّة وأفكّر دائماً بأوطاننا السّليبة، ويوجعني كثيراً أنّ فلسطين وخيراتها احتُلت وسُلبت وما تزال تُسرق وتُنهب، ويوجعني أنّ المصائب تتوالى على بلاد المنطقة العربية وعلى أطفالها وشبابها، وأنّ العقول النّيرة أيضاً تُسلب وتُطرد من بلادها لمصلحة الغرب، وهكذا يقومون بتشتيتنا وتهميشنا وإفقارنا وتسطيح عقولنا عبر خلق خلافات دمويّة وفكريّة دائمة بين أبناء الجغرافية العربية، وهكذا تضيع القضية الفلسطينية وتضيع الأوطان مع مرور الزّمن، لكن لا أعتقد بأنّ الكاتب أوفى لقضيته أو أنّ الكاتبة أكثر وفاء، فالأمر يتعلّق بالإنسان نفسه، ولو أردنا الإضاءة على تجارب الكتّاب الفلسطينيين من الجنسين وفي كلّ أنحاء المعمورة لوجدنا مؤلفات عظيمة.. أنا أفكّر بقضية وطني ليلاً ونهاراً، وأجدني مقصّرة كثيراً في حقّ معاناة شعب تعرّض للقصف اليوميّ الشّرس وخاصّة الليلي، بينما كلّ الناس في كلّ قارات الأرض ينامون في بيوتهم مرتاحين".
وعلى الرّغم من أنّنا في القرن الواحد والعشرين ما يزال هناك من يقلّل من أهميّة المرأة المثقّفة والكاتبة والأديبة، تقول الصّعبي: "في السّنوات السّابقة مررت ببعض التّجارب العابرة التي تقلّل من أهميّة الثّقافة عموماً، كذلك من أهمية الأدب والشّعر والفنّ.. نعم ما يزال مجتمعنا ينظر إلى الصّحيفة على أنّها مجرّد كلام، ويرمي المثقّفين بأوصاف بشعة، فما بالنا بنظرة المجتمع إلى المرأة المختلفة عنه؟.. الآن عندما نشاهد مقطعاً مصوّراً قصيراً لامرأة كاتبة تقول شعراً أو حكاية ذات قيمة ونقرأ التّعليقات نرى كيف هي نظرة المجتمع إلى المرأة المثقّفة، لكن على الرّغم من كلّ شيء أنا أؤمن بحقّي وحقّ كلّ كاتبة بالدّفاع عن قلمها وعن فكرها المستنير الذي يطالب بإحياء الضّمير وإنماء العقل، والذي يقف إلى جانب القيم النّبيلة، قيم الخير والمحبة والحريّة لكلّ الشّعوب المقهورة وعلى رأسها الشّعب الفلسطيني، وأرجو أن يسمو مجتمعنا ويرتقي نحو فضاءات العلم والثّقافة، كذلك أرجو من الكاتبات أن يناضلن بتصميم في سبيل إعلاء أصواتهن وإكمال هذه المسيرة المشرّفة".
"الانحناء يساراً" مجموعة قصصية تتناول فيها الصّعبي تفاصيل الحياة اليومية، لكن إلى أي مدى أو كم نسبة الواقعية في القصص؟ وهل الواقع يفرض على الكاتب مواضيعه؟ تجيب: "كيف كنت ألتقط تفاصيل الحياة اليومية لأكتب قصة؟ هذا هاجسي مذ بدأت أؤسس لمشروعي في كتابة القصّة القصيرة.. نعم أعتقد بأنّ الواقع يفرض ذاته على الكاتب، لكن برأيي الكاتب الذّكي هو الذي يضيف على الواقع من خياله الجامح وشعوره العميق، ما يجعل من النّصّ الأدبي جوهرة فريدة تستحقّ التّوقف عندها والاستمتاع بها، وأنا أسير في موكب الأدب أطمح إلى أن أكتب دائماً ما هو أقرب إلى هموم النّاس وآمالهم، وأن أعبّر ما استطعت عن تلك الأسئلة المزدحمة في عقولهم هنا، في هذه البلاد المنكوبة".
"ارقص كأنّك النّون" أوّل رواية أيضاً لها، فهل على الكاتب تجريب كلّ الأنواع الأدبية أم أنّ الموضوع أيضاً يفرض نفسه؟ أم هو حبّ المغامرة وإثبات القدرات والذّات من يقود المركب؟ توضّح الصّعبي: "للعلم بالشّيء جرّبت كتابة السّيناريو والمسرح في زمن مضى، وحين هممت بكتابة الرّواية كنت أريد أن أجرّب في هذا النّوع الأدبي الجذّاب بالنّسبة إليّ.. قد لا يكتفي الكاتب بنوع أدبيّ واحد، وهذا ما حدث معي.. قلت لنفسي سأفعل ذلك ولم لا؟ وهكذا وجدتني أكتب صفحات وفصولاً بل أكاد أقول إنّ شخصيات الرّواية وأحداثها هي التي أصرّت على الظّهور إلى النّور".
وتضيف الصّعبي:"في النّهاية أعتقد بأنّ كلّ نوع أدبيّ له جمالياته وله مشاقه وتحدّياته، وأنا كقارئة نهمة للرّواية وجدتني أحاول خلقها، لكنّني وأقولها دائماً أنا منحازة لفنّ القصّة القصيرة التي بدأت بها مشواري الأدبي، وأرجو أن أحقق بها مغامرتي الأدبية، وأن أعبّر بها عن آلامي وآلام النّاس، وأن أجدد فيها وأتجدد بها".
وتختم الكاتبة سوزان الصّعبي حديثها بالقول: "كلّ الحبّ والاحترام للأدب الذي أفسح لي المجال لكي أقرأ وأعرف أكثر عن الحياة، ولكي أكتب وأختلف".