عصام الصافتلي :
تعرفت على عبد الهادي خلال المرحلة الثانوية ، وكانت اللقاءات بيننا تتكرر دائما بمناسبة وبغير مناسبة وخلال أوقات أحيانا متقاربة وأحيانا ً متباعدة.
في أحد اللقاءات جلست مع عبد الهادي بحضور رفيق ثالث أسمه عماد ،بدأ الحديث بيننا حول بعض الأمور السياسية ،وأنتقل إلى الأمور الأدبية والثقافية ،ثم أنتقل الحديث كليا ً للحديث عن المرأة ...بدأ عبد الهادي يروي لنا بعضا من مغامراته العاطفية الكثيرة، وكلّما تحدث عن مغامرة كان عماد يتصدى له بحديث عن مغامرة مماثلة، وكان الحديث بين الرفيقين ... أشبه بالمبارزة، أو مثل لعبة كرة قدم، وهدف لهدف، ومغامرة لمغامرة وحكاية بحكاية وقصة بقصة ، النتيجة كانت دائما التعادل... كنت أراقب الحديث متعجبا ً ومستغرباً ، لا أعلم هل الأحاديث التي يرويها الطرفان صادقة أم كاذبة ، أم من الخيال ، بين كل حكاية وحكاية كان عبد الهادي يخاطبني قائلا ً أحك لنا عن مغامراتك العاطفية، كنت أجيب لا مغامرات لدي، كذلك عماد كان يقول لي بعد كل حكاية وأنت ألا تريد أن تحكي..أحكي لنا ولو عن بنت الجيران...
كثرت الأحاديث والقصص والروايات، في لحظة صمت أحسست بأن عماد يطلق باتجاهي نظرات سخرية واستهزاء وكذلك عبد الهادي الذي أطلق أيضاً نظرات لم أجد لها تفسيراً إلا أنني شخص مغفل وجاهل وقليل الحيلة ، في لحظة شرود قلت لنفسي يا إلهي كم تبدلت القيم والمفاهيم ، بالأمس القريب كانت المبارزة بين الرجال تقاس بكثرة العفة والشرف ، أما اليوم فأصبح مقياس الرجولة كثرة العلاقات الغرامية النسائية.
في لحظة غضب قلت لنفسي سأتدخل ولو بحكاية بسيطة، حكاية لإثبات الحضور و لأثبت لهما أنني قادر على الكلام، وبأنني قادر على خوض غمار العلاقات العاطفية ، قلت كل قصصكما عادية وتافهة، سأروي لكما الآن قصة من القصص الكثيرة التي مررت بها و التي تعادل في مجموعها قصصكما أنتما الاثنين مجتمعين و قلت: كنت أسكن في منزل أختي أثناء فترة الدراسة الجامعية ،وفي إحدى الأيام سافر الجميع إلى الساحل وبقيت لوحدي في المنزل ... عند المساء قرع جرس المنزل ،عندما فتحت الباب وجدت فتاة رائعة الجمال، طويلة القامة ،سمراء ذات بنية ممتلئة، وشعر أسود طويل...بعد أن ألقت تحية المساء قالت:أنا جارتكم، وأحتاج إلى القليل من الماء،وليس لدي أحد ليساعدني في نقله... زوجي يعمل في المملكة العربية السعودية وليس لدي أولاد ، فقلت لها أهلا ًوسهلا، ً أنا سأحضر لكِ الماء...بعد ذلك دارت بيننا أحاديث كثيرة، في نهايتها وجدت نفسي أنخرط مع المرأة بعلاقة من أجمل العلاقات ، قاطعني عماد قائلا:ً وأين منزل أختك؟ فقلت له : في الشارع المقابل لمدرسة عدنان الطبشة الثانوية ، فقال : إذاً منزل أختك يتجه للجنوب، فقلت له طبعا ً، لماذا تسأل ...لم يجب ، بل صرخ عماد عرفتها..عرفتها الفاجرة كم حاولت أن أقيم علاقة معها ، كم أظهرت لي من الشرف والعفة هنا شعرت بالخوف والذعر...شعرت بندم شديد...فاتهام الأبرياء جريمة كبرى وخصوصا إذا كان الأمر يتعلق بأمور تمس الشرف...ياإلهي عن ماذا يتحدث هذا الأحمق التافه ،القصة أنا اخترعتها في اللحظة التي كنت أتكلم بها،ماذا لو كان هناك حقا ًامرأة بهذه الصفات، وفي المكان الذي حددته لهم ،قلت له يا عماد:أنت مخطئ..صرخ قائلا ً شعرها أسود طويل ولها عينان واسعتان وبدأ يسرد تفاصيل دقيقة لشخصية حقيقية،هنا أدركت حجم الورطة التي وقعت بها ،فقلت : يا إخوان صدقوني أنا أمزح ،ماتحدثت عنه وهمي ومن خيالي،لا وجود حقيقي للشخصية التي تحدثت لكم عنها. قال عماد :لا تتواضع يا فحل يا زير يا"كزنوفا"،أنا سأبحث عنها وستندم لأنها تجاهلتني صرختُ به صدقني والله العظيم يا جماعة أنا كذاب... كذاب...كذاب
قال عبد الهادي:لماذا تصرخان ،فقلت له صدقني حكايتي كانت من خيالي وذكرت العنوان بشكل عشوائي،والحقيقة لا أخت لي في هذا العنوان! قال عبد الهادي:أنا لم أنتبه للعنوان فأين هو ؟رد عماد وقال:مقابل الثانوية المنزل الكبير ذو الواجهة الرخامية،الواجهة الخمرية...صرخ عبد الهادي أين،أين...فقال له عماد:مقابل ثانوية عدنان الطبشة...وقف عبد الهادي وصرخ بغضب شديد ألا تخجلا من نفسيكما ؟أليس لديكما شرف أوعرض؟ أليس لديكما أخوات؟يا قليلا الشرف والذّمة والضمير والأخلاق ...المنزل المذكور منزل خالتي!!!
من جديد ومرة ثانية وجدت نفسي أصرخ :صدقني القصة من خيالي،والله العظيم من خيالي....والله العظيم أنا كذاب يا جماعة.