عصام الصافتلي :
كان شبيه البغل يعلم أّنه محبوب ومرغوب ومطلوب ، فهو قويّ البنية وطويل الذيل جميل الشكل ، ويتمتع بجاذبية حاضرة دائماً معه ، أدرك بغريزته أن معظمهن يفضّلنه على سواه ، هل تعلمون لماذا ؟ لأنّه يمتلك إمكانات خاصة جدّاً لا يمتلكها سواه ،
هذا البغل كان متقلّب الآراء ومتغيّر الأهواء ، فهو أحياناً يتصرف بحكمة الكبار وأحياناً يتصرف كالصغار .. البغل المرح كان يحبّ الزخرفة والبهرجة والألوان المزركشة ... ويحبّ كل أنواع الفنون وخصوصاً اللوحات الجميلة الغضة والطرية والبضة
ذات مرّة وعن بعد رأى لوحة جميلة ممشوقة القوام ، نحيفة وذات شعر خرنوبي أجعد قصير... اقترب منها بحذر شديد، فأُعجِب بروح الطفل وبراءته لديها ،أعجب بصدقها وتمردها وجرأتها وبقوة شخصيتها فغنّى لها :
من يقول القلب مع غيرك سلا
يعلم الله مالك بقلبي شريك
لأهجر الدنيا وأخليها عشانك
منه يستاهل أنو يأخذ مكانك
لكنه فيما بعد وبخبرته الفريدة اكتشف أنّها لوحة مزيفة وعفنة ومقلّدة وتافهة ... فرماها وابتعد عنها وكره كل اللوحات التي لا تحمل شهادة الجودة والمنشأ ، لقد كانت لوحة فارغة بألوان زاهية ....
من المعروف عن البغل أنه يحبّ التفاح ، فأتته في الحلم تفاحة ناضجة ، مكتملة الصفات ، تفاحة ناضجة أكثر من أي تفاحة أخرى ، فركض خلفها ،لمسها وشم رائحتها ،وبدأ بشرب العصير الكأس تلو الكأس ، حتى كاد أن يسكر ، فقد كانت الحلاوة تقطر منها فغنّى لها :
أنت على دينك وأنا على ديني
صومي خمسينك وأصوم ثلاثيني
وعندما قررّ أن يأكلها ... فجأةً سمع صوت ديكتاتور عظيم لا يعترض أحد على كلامه يصرخ به .... اتركها أيها البغل إنها لغيرك ، فتركها ومضى يشتم كل شيء وواسى نفسه قائلاً لم انتبه جيدا كانت التفاحة فجّة ، ولم تكن تقطر حلاوة .
البغل يحبّ العنب و تغريه ألوانه الكثيرة ، ذات مرة رأى جانب من عنقود ، فأسكره منظره وعشقه وأحبّه وركض خلفه أيام وليال ، وبعد عذاب طويل لحق به ،وعندما أدركه ، أمسك بحبّة منه وأكلها بنهم شديد ... أحس بطعم الحبّة وما تحويه من عسل مميّز ... فقال لنفسه : يا إلهي ما أكثر حبات هذا العنقود ! هذا العنقود سيكفيني حتى آخر يوم في حياتي ،سأمضي بقية عمري آكل العسل...وقال لنفسه ربما أنا الوحيد في العالم الذي يتناول هذا النوع المميز والفريد من العسل
لكنه عندما قلّب العنقود على الجهة الأخرى وجد أنه ناقص بضع حبّات وقد أُكلت منه أكثر من حبه ...وبعد أيّام أدرك أنه مازالت تؤكل منه حبات أخرى ! رغم أنه لم يأكلها ... عندها أيقن أنه يوجد من يشاركه بعنقوده ... فكره العنب و مضى ... وقال لقطيع البغال كلوه هنيئاً فأنا لا أريده ، لقد كان حامض ...تذكر البغل المغفل أصوله وطبيعته ، وأدرك بأنه غير قادر على التطّور .
عاد إلى شجرته التي غرسها بيديه ، وجلس تحت ظلال أغصانها القوية الوارفة فحمتهُ من كل الأشعة التي كانت تصوب عليه و من كل الاتجاهات ، وجلس يتأمل ثمارها الجميلة ، فوجد أن لكل ثمرة جمالها وحجمها وعمرها ... تأكد أنّها أفضل ما غرس ، وأنّها أجمل من كل اللوحات وأحلى من كل التفاح والعنب ... فهي ذات الشعر الأسود والأشقر وهي الطويلة والقصيرة والنحيفة والسمينة ،وهي كل الفصول وكل الأيام ...
وقال : كنت دائما أعجب من اسمي ، وحاولت أن أغيره مرارا ً...لكنني فشلت فهل تعلمون لماذا فشلت ؟؟...لأنني حقا ًكنت بغل.